للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للنار. وهكذا كل من رام أن يطيع الله على غير الوجه الذي شرعه لعباده وارتضاه لهم فإنه ربما يلحق بالخوارج، بجامع وقوع ما أطاعوا الله به على غير ما شرعه لهم في كتابه وعلى لسان رسوله وإني أخشى أن يكون من هذا القبيل ما يقع من كثير من المتصوفة، من تلك الأقوال والأفعال التي ظاهرها التنفير عن الدنيا والبعد عن أهلها والفرار عن زينتها، مع تلك الوظائف التي يلازمونها من التخشع والإنكسار والتلهب والتأسف والصراخ تارة والهدوء تارة أخرى والرياضات والمجاهدات وملازمة أذكار يذكرون بها لم ترد في الشرع على صفات لم يأذن الله بها، مع ملازمة تلك الثياب الخشنة الدرنة، والقعود في تلك المساطب القذرة، وما ينضم إلى ذلك من ذلك الهيام والشطح والأحوال التي لو كان فيها خير لكانت لرسول الله وأصحابه الذين هم خير القرون.

ولا أنكر أن في هذه الطائفة من قد بلغ في تهذيب نفسه وغسلها من الطواغيت الباطنة والأصنام المستورة عن الناس كالحسد والكبر والعجب والرياء ومحبة الثناء والشرف والمال والجاه مبلغًا عظيمًا، وارتقى مرتقا جسيمًا، ولكني أكره له أن يتداوى بغير الكتاب والسنة، وأن يتطبب بغير الطب الذي اختاره الله لعباده، فإن في القوارع القرآنية، والزواجر المصطفوية، ما يغسل كل قذر، ويدحض كل درن، ويدمغ كل شبهة، ويدفع كل عارض من عوارض السوء. فأنا أحب لكل عليل في الدين أن يتداوى بهذا الدواء، فيعكف على تلاوة كتاب الله متدبرًا له متفهمًا لمعانيه، باحثًا عن مشكلاته، سائلًا عن معضلاته (ويديم النظر في كتب السنة المعتبرة عند أهل الإسلام كالأمهات الست وما يلحق بها) (١) ويستكثر من مطالعة السيرة النبوية، ويتدبر ما كان يفعله رسول الله في ليله


(١) ما بين القوسين () ساقط من (ب).

<<  <   >  >>