للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستيعابه المبكر لهذه العلوم، وثقافته الذاتية الواسعة، أن يقوم - أثناء دراسته - بتدريس زملائه الذين يدرسون معه: "كان يقرأ على مشايخه فإذا فرغ من كتاب قراءة أخذه عنه تلامذته، بل ربما أجمعوا على الأخذ عنه قبل أن يفرغ من قراءة الكتاب على شيخه" (١).

وأهلته ثقافته الواسعة تلك على البدء بتحرير أبحاثه ومؤلفاته وهو في هذه السن المبكرة (مرحلة الطلب)، إما ليجيب بها على أسئلة واستفسارات طلابه، أولمشاركة أهل العلم في التعقيب على آرائهم في المسائل التي كانت مدار بحثهم (أدب الطلب ص ١٧٣ - ١٧٤)، وأيضًا بدأ بإفتاء العامة من أهل صنعاء وغيرهم "وكان في أيام قراءته على الشيوخ، وإقرائه لتلامذته، يفتي أهل مدينة صنعاء وغيرها .. من نحو العشرين من عمره فما بعد ذلك (٢).

وساعده ذكاؤه أيضًا على اختصار الوقت والجهد في إنجاز أبحاثه ومصنفاته، فقد ذكر تلميذه محمد بن الحسن الشجني عن طريقته في القراءة والبحث إنه "كان ينظر فيها (أي في المراجع) ويحفظ معانيها ويستغني بأول نظر لسبق تحقيق المعنى في فكرته ثم يحرِّر ما يراه عن عفو القريحة" (٣).

[٢ - تفرغه للعلم]

وكما دفعه حبه للعلم إلى الجد في تحصيله، فقد دفعه كذلك إلى أن يتفرغ له تفرغًا كليًا، مكرسًا كل طاقته ووقته للعلم دارسًا، ومدرسًا وباحثًا ومجتهدًا … ولم ينشغل بأي شيء سواه "وكان منجمعًا عن بني الدنيا، لم يقف بباب أمير ولا قاض ولا صحب أحدًا من أهل الدنيا، ولا خضع لمطلب من مطالبها، بل كان منشغلًا في جميع أوقاته بالعلم درسًا وتدريسًا وإفتاءًا


(١) البدر الطالع ٢/ ٢١٨، أدب الطلب ص ٩٨، ٩٩، ١٧٣ - ١٧٤.
(٢) البدر الطالع ٢/ ٢١٩.
(٣) الشجني التقصار ص ٢٠٢.

<<  <   >  >>