للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سابعًا: رد المصنّفين المتمسكين بالمذاهب لكل ما يخالف قواعد مذهبهم من الأدلة]:

ومن جملة أسباب التعصب التي لا يشعر بها كثير من المشتغلين بالعلوم ما يذكره كثير من المصنّفين من أنه يرد ما خالف القواعد المقررة (١). فإن من لا عناية له بالبحث يسمع هذه المقالة ويرى ما صنعه كثير من المصنفين من رد الأدلة من الكتاب والسنّة إذا خالفت تلك القاعدة فيظن أنها في اللوح المحفوظ، فإذا كشفها وجدها في الغالب كلمة تكلم بها بعض من يعتقده الناس من أهل العلم الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى لا مستند لها إلا محض الرأي، وبحت ما يُدّعى من دلالة العقل. وكثيرًا ما تجد في علم الكلام الذي يسمونه أصول الدين قاعدة قد تقررت بينهم واشتهرت وتلقنها الآخر من الأول وجعلوها (٢) جسرًا يدفعون بها الآيات القرآنية والأحاديث


(١) بعد تبلور الفرق والمذاهب الإسلامية، أصبح لكل منها مناهجها الأصولية وقواعدها الفقهية، المنبثقة من رؤاها الفكرية والسياسية؛ وكان المفروض أن تكون هذه المناهج والقواعد بمثابة منهج للبحث والاستنباط في العلوم الدينية، ولكن بعد أن استفحل التعصب والصراع المذهبي، وادعاء كل فرقة بأن رأيها هو الصواب، دون غيرها (وخاصة في علم الكلام) وأنها هي الفرقة الناجية، فبدلًا من أن يكون القرآن والسنة الأصل "الثابت" التي ترد إليه، وتعرض عليه أفكار واجتهادات تلك الفرق، باعتبارها الفرع "المتغير" انعكست الأمور فأصبحت آراء تلك الفرق وقواعدها الأصولية والفقهية بمثابة الأصل "الثابت" وأصبح القرآن والسنة هو الفرع "المتغير" ويتم عرض الأخير على الأول فيقبل منه ما وافق تلك الآراء والقواعد، ويرد أو يؤول ما خالفها وأصبحت هذه الطريقة قاعدة أصولية ثابتة والتي صاغها الفقيه الحنفي أبو الحسن الكرخي (ت ٣٤٠) بقوله: "الأصل أن آية تخالف قول أصحابنا (أي الحنفية) فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح والأولى أن تحمل على التأويل وكل خير (حديث) كذلك. . . .".
انظر: رسالة في أصول الكرخي، ملحقة بكتاب تأسيس النظر للدبوسي نقلًا عن محمد العبد، مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين، وتفرقهم، الكويت: دار الأرقم (ط ٢/ ١٩٨٦) ص ٩٥.
(٢) في (ب) وخطوها.

<<  <   >  >>