للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلوا هذا الأمر طريقًا إلى الدنيا، ومدرجًا إلى التلاعب بأحكام الشرع، ومسلكًا إلى أبواب اللهو والخلاعة، ثم جعلوا لهم شيخًا يعلمهم كيفية السلوك، فمنهم من يكون مقصده صالحًا وطريقته حسنة، فيلقن أتباعه كلمات تباعدهم من الدنيا وتقربهم من الآخرة، وينقلهم من رتبة إلى رتبة، على أعراف يتعارفوها، ولكنه لا يخلو غالب ذلك من مخالفة للشرع وخروج عن كثير من آدابه. والخير كل الخير في الكتاب والسنة، فما خرج عن ذلك فلا خير فيه، وإن جاءنا أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، وأتقاهم لله تعالى وأخشاهم له في الظاهر فإنه لا زهد لمن لم يمش على الهدى النبوي، ولا تقوى ولا خشية لمن لم يسلك الصراط المستقيم. فإن الأمور لا تكون طاعات بالتعب فيها والنصب وإيقاعها على أبلغ الوجوه. بل إنما تكون طاعات خالصة محضة مباركة نافعة لموافقة الشرع، والمشي على الطريقة المحمدية. واعتبر بالخوارج: فقد وصفهم النبي بما وصف من تلك العبادات والمجاهدات التي لا تبلغ عبادتنا ولا مجاهدتنا إلى شيء منها، ولا تعتبر بالنسبة إليها، ومع هذا فقال: "إنها لا تجاوز تراقيهم" (١) وقال: "إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" (١)، وقال: "إنهم كلاب النار" (٢) فانظر: كيف كانت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم الليل وصيامهم النهار نقمة عليهم ويلية ومحنة لهم لم تعد عليهم بنفع قط إلا ما أصيبوا به من الخسار والنكال والوبال فكانت تلك الطاعات الصورية من صلاة وصيام وتهجد وقيام هي نفس المعاصي الموجبة


(١) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري: اللؤلؤ والمرجان ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣ (٦٤٢).
(٢) أخرجه الطبراني: ٨/ ٢٦٦ - ٢٧٥ من رقم (٨٠٣٣ - ٨٠٥٦) أحمد ٥/ ٢٥٣، عبد الرزاق (١٨٦٦٣)؛ الترمذي (٤٠٨٦)؛ ابن ماجه (١٧٦)؛ مجمع الزوائد ٦/ ٢٣٣، ٣٢٧.

<<  <   >  >>