خلالها على الموضوع أو الفن الذي يدخل هذا الكتاب في إطاره مع الإشارة إلى نشأة هذا الفن وأهم مؤلفات ورسائل علماء الإسلام الذين سبقوا الشوكاني إلى التأليف فيه لنعرف من خلالها ما أضافه الشوكاني وتفرد به عمن سبقه:
من المعروف أن نطاق المعرفة والثقافة العربية في الفترة السابقة على ظهور الإسلام، وخاصة في أواسط الجزيرة العربية، كانت محدودة، ومتمثلة في الشعر، وتاريخ العرب وأيامهم ووقائعهم وأنسابهم وعاداتهم وتقاليدهم … إلخ، وكانت الوسيلة لتوثيق هذا التراث وتداوله عبر الزمان والمكان هو "الحفظ" و "الرواية" التي كان اعتمادهم عليها أكثر من اعتمادهم على التدوين فقد يتخصَّصُ بعض الأشخاص في حفظ ورواية جانب معين من هذا التراث فالذي يحفظ أنساب القبائل العربية يسمى "النسَّابة" والذي يحفظ شعر أحد الشعراء ويقوم برواية شعره ونشره يسمى "الراوية"، أما الذي يُعنى بحفظ أو بمعرفة تاريخ العرب وأيامهم وسير وأخبار ملوكهم وزعمائهم فيسمى "الإخباري" …
وقد استمرت هذه الوسيلة حتى ظهور الإسلام وجانب من تأريخ صدر الإسلام، وبمجيء الإسلام الذي فتح أمام العرب والثقافة العربية آفاقًا واسعة وأمدّها بعلوم ومعارف متعددة، سواء ما كان منها متعلقًا بالدين نفسه، كالقرآن وعلومه، والحديث وعلومه، والفقه، وأصول الدين (علم الكلام) .. إلخ، أو المعارف والفنون الأخرى الناتجة عن الاحتكاك والتفاعل الحضاري مع حضارات الأمم والشعوب التي دخلت في الإسلام، أو المجاورة له، ونتيجة لهذا الاتساع والتنوع المعرفي لم تعد طريقة (الحفظ والرواية) كافية لاستيعاب هذا الكم الهائل من المعرفة، اتجه العرب إلى (الكتابة والتدوين) كأداة لتوثيق ونشر الثقافة، بالإضافة إلى أن الإسلام نفسه