للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣ - قوة شخصية الشوكاني]

أشرنا فيما سبق إلى أن دعوة الشوكاني الإصلاحية - شأنه في ذلك شأن دعاة الإصلاح في كل زمان ومكان - واجهت أو لقيت مقاومة عنيفة من قبل أنصار الجمود والتقليد الذين يرون في كل دعوة إصلاحية خطرًا عليهم وتهديدًا لنفوذهم ومصالحهم، ولكنه استطاع بعزيمته وقوة شخصيته (١)، أن يواجه كل الصعاب التي تقف في طريق دعوته فلم ترهبه أو تفت في عضده حملات الإرهاب المادي والمعنوي التي شنها عليه مقلدة ومتعصبي عصره فلم تنل حملاتهم الظالمة من معنوياته أو تؤثر فيه كما أثرت على كثير من المجددين والمصلحين الذين سبقوه، فقد دفعت بالبعض منهم إلى الابتعاد عن المواجهة أو الإنعزال عن المجتمع كما فعل الحسن بن أحمد الحلال (ت ١٠٨٤ هـ) وصالح بن مهدي المقبلي (ت ١١٠٨ هـ) كما قال عنهما الشوكاني: "إنهما نالا من المحن والعداوة من أهل عصرهما ما حمل الأول على الاستقرار في هجرة الجراف منعزلًا عن الناس، وحمل الثاني على الارتحال إلى الحرم الشريف والاستقرار فيه حتى توفاه الله تعالى" (٢)، فقد كان لهؤلاء المقلدة سطوة كبيرة ويتمتعون بمقدرة هائلة على التأثير في القبائل اليمنية وتهييجها وحشدها ضد من يخالفهم أدنى مخالفة، ولا أدل على ذلك من مقدرتهم - كما يفيد الشوكاني - على إرغام المهدي عباس، وهو أحد حكام اليمن الأقوياء (حكم اليمن من ١١٦١ هـ - ١١٨٢ هـ) على


(١) انظر صورًا ونماذج عن شجاعته ورباطة جأشه في: التقصار ص ٢٨ - ٣٢، ٤٢٠ - ٤٢٢ وقد حفل كتاب الشوكاني "أدب الطلب" بذكر العديد من حملات الإرهاب التي شنها عليه خصومه من مقلدة ومتعصبي عصره، فلم تؤثر عليه، راجع ص ١٠٠ - ١٠٣، ١٥٢ - ١٥٤ من هذا الكتاب.
(٢) أدب الطلب ص ٩٦ - ٩٧؛ أيضًا: صالح محمد صغير مقبل، محمد بن علي الشوكاني وجهوده التربوية ص ١٤٩.

<<  <   >  >>