يدع البحث عن ما هو موجود من أحاديث الأحكام في غيرها بحسب ما تبلغ إليه طاقته، ويبحث عن الأحاديث الخارجة عن الصحيح في المواطن التي هي مظنة للكلام عليها من الشروح والتخريجات، ويكون مع هذا عند ممارسته لعلم اللغة على وجه يهتدي به في البحث عن الألفاظ العربية واستخراجها من مواطنها، وعنده من علم اصطلاح الحديث وعلم الجرح والتعديل ما يهتدي به إلى معرفة ما يتكلم به الحفاظ على أسانيد الأحاديث ومتونها (١).
فمن علم بهذه العلوم علمًا متوسطًا يوجب ثبوت مطلق الملكة في كل واحد منها صار مجتهدًا مستغنيًا عن غيره، ممنوعًا من العمل بغير الدليل، وعليه أن يبحث عند كل حادثة يحتاج إليها في دينه عن أقوال أهل العلم وكيفية استدلالهم في تلك الحادثة، وما قالوه وما رُدَّ عليهم به، فإنه ينتفع بذلك انتفاعًا كاملًا، ويضم إلى علمه علومًا وإلى فهمه فهومًا، وهو وإن قصر عن أهل الطبقة الأولى فليس بمحتاج فيما يتعلق به من أمر الدين إلى زيادة على هذا المقدار، ويختلف الانتفاع بالعلوم، باختلاف القرايح والفهوم، فقد ينتفع من هو كامل الذكاء، صادق الفهم، قوي الإدراك بالقليل ما لا يقتدر على الانتفاع بما هو أكثر منه كثير من جامدي الفهم راكدي الفطنة.
[[الطبقة الثالثة من حملة العلم]]
وأما أهل الطبقة الثالثة وهم الذين يرغبون إلى إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يتقدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه، من دون قصد منهم إلا الاستقلال بل يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض التعارض والاحتياج إلى
(١) انظر للمؤلف: إرشاد الفحول ص ٢٥١ وما بعدها؛ البدر الطالع ١/ ٨٦ - ٨٧.