يعرف من طريق غيره أو يشتهر اشتهارًا يقبله سامعه (١)
[عاشرًا: الحسد والمنافسة بين الأقران]:
ومن الأسباب المانعة من الإنصاف ما يقع من المنافسة بين المتقاربين في الفضائل أو في الرئاسة الدينية أو الدنيوية، فإنه إذا نفخ الشيطان في أنفهما وترقت المنافسة بلغت إلى حد يحمل كل واحد منهما على أن يرد ما جاء به الآخر إذا تمكن من ذلك وإن كان صحيحًا جاريًا على منهج الصواب. وقد رأينا وسمعنا من هذا القبيل عجائب صنع فيها جماعة من أهل العلم صنيع أهل الطاغوت. وردوا ما جاء به بعضهم من الحق وقابلوه بالجدال الباطل والمراء القاتل، وإني لأذكر أيام اشتغال الطلبة بالدرس عليّ في كثير من العلوم، وكنت أجيب عن مسائل ترد عليّ يحررها الطلبة ويحررها غيرهم من أهل العلم من أمكنة قريبة وبعيدة. فكان يتعصب على تلك الأجوبة جماعة من المشاركين لي في تدريس الطلبة في علوم الاجتهاد وغيرها. وقد يسلكون مسلكًا غير هذا فيقع منهم الإيهام على العوام بمخالفة ذلك الكلام لما يقوله من يعتقدون قوله من الأموات، فينشأ عن ذلك فتن عظيمة، وحوادث جسيمة. وكان بعض نبلائهم يكتب عليّ بعض ما أكتبه ثم يهديه إلى السائل وإن كان في بلد بعيد من دون أن يقصده بسؤال. ولا طلب منه تعقب ما أجبت به من المقال. وقد أقف على شيء من ذلك فأجده في غاية من الاعتساف فأتعقبه تعقبًا فيه كشف عواره وإيضاح بواره. وقد ينضم إلى ذلك ذكر كلمات والاستشهاد بأبيات اقتضاها الشباب والنشاط واشتعال الغضب لما أراه من التعصب والمنافسة على ما ليس لي فيه اختيار. فإن
(١) للمزيد من التفاصيل عن أثر الهوى المذهبي والسياسي على قواعد وعلم الجرح والتعديل، انظر: السبكي/ معيد النعم ص ٦١ - ٦٢، المقبلي/ العلم الشامخ ص ١٩٧ - ٢٠٦.