لذلك فالحلول التي يقترحها الشوكاني لإصلاح هذا الخلل وتجاوز هذه المعضلة تتمثل في:
أولًا: الدعوة للاجتهاد وتحرير العقل من قيود التقليد والتعصب
فقد اتجه المؤلف منذ بداية الكتاب إلى إثارة فكر الطالب (الباحث) وتهيئة ذهنه إلى وجوب تحرير عقله وفكره من ربقة التقليد والتعصب للأشخاص أو الأفكار، وتوطين نفسه على التزام المنهج العلمي في التفكير، لكي يستفيد من نتائج التعليم أو البحث والوصول إلى المرحلة التي يكون فيها قادرًا بنفسه على الاجتهاد والتجديد (ص ٨٨ - ٩٠).
وأول مقتضيات التفكير العلمي والموضوعية هو تجاوز هالة القداسة التي اضفاها المقلدون على أئمة ورجال مذاهبهم وإخضاع آرائهم واجتهاداتهم للنقد والتمحيص وعدم التسليم المطلق والمسبق بصوابها، لأن أولئك الأئمة لم يسعوا لفرض آرائهم واجتهاداتهم على الناس، ولم يهدفوا إلى إتخاذ فكرهم وسيلة لتعطيل فكر الآخرين، وإنما اجتهدوا لأنفسهم فاجتهاداتهم لا تعتبر حجة على غيرهم ولا تلزم سواهم "فإنك إن جعلت اجتهاد أي مجتهد حجة عليك وعلى سائر العباد كنت قد جعلته شارعًا لا متشرعًا، ومكلِّفًا لا مُكلَّفًا"(ص ٨٦)، "بل عليك أن توطن نفسك على الجد والاجتهاد والبحث عما يدخل تحت طوقك وتحيط به قدرتك حتى تبلغ إلى ما بلغ إليه ذلك المجتهد"(ص ٨٧)"فإذا وطنت نفسك - أيها الطالب - على الإنصاف (الموضوعية) وعدم التعصب لمذهب من المذاهب ولا لعالم من العلماء .. فقد فُزت بأعظم فوائد العلم وربحت بأنفس فرائده فلأمرٍ ما، جعل الرسول ﷺ المنصف أعلم الناس وإن كان مقصرًا .. فالأنصاف هو الخصلة الموجبة للأعلمية، ولم يعتبر غيرها "لأن المنصف لم يكن لديه هوى ولا حميه ولا عصبية لمذهب أو عالم من العلماء … ، فَصَفَتْ غريزته (فطرته) عن أن تتكدَّر بشيء من ذلك" (ص ٨٩ - ٩٠).