قد أعلى من شأن العلم والقراءة والكتابة، إذ كان أول ما نزل من الوحي والقرآن "إقرأ. ." وحث المسلمين كذلك على نشر الإسلام وتبليغه للناس، وشرح تعاليمه وأحكامه لهم. فأدى ذلك إلى إزدهار الحركة العلمية والفكرية، وأزدهرت كذلك حركة "التدوين" و "التأليف" واتسع نطاقها، وخاصة بعد منتصف القرن الثاني الهجري، مما جعل الحاجة ماسة إلى وضع القواعد والضوابط التي تنظم عملية التدوين والتأليف، وتنظم كذلك طريقة عمل العلماء والمشتغلين بالمجال العلمي، فظهرت نوعين من تلك القواعد أو المناهج:
[الأولى:"المناهج أو الأصول العلمية"]
وتعنى بوضع المعايير والضوابط المنظمة لعملية التوثيق والتدوين أولًا، وتضع الأصول والمناهج المنظمة لعملية البحث والنظر والاستدلال والاستنباط "الاجتهاد" ثانيًا، كما تعنى كذلك بضبط مصطلحات العلم وحدوده، بهدف توخي الدقة والموضوعية في عملية التأليف والاجتهاد، وكبح جماح الأهواء والعواطف الذاتية، وتُجنب العلماء والباحثين من الوقوع في الخطأ والزلل (١).
وابتدأت ملامح المنهج العلمي تتضح وتنموا شيئًا فشيئًا، حتى تكاملت وانتظمت وأصبح لكل فرع من فروع المعرفة، قواعده وأصوله الخاصة به كالحديث والفقه واللغة والتفسير والفلسفة … إلخ.
(١) يُعرِّف البعض "أصول الفقه" بأنه: "المنهاج أو القانون الذي يعصم الفقيه (المجتهد) من الخطأ في الاستدلال واستنباط الأحكام" شأنه في ذلك شأن قواعد اللغة العربية (النحو) التي تعصم اللسان من الخطأ في الكلام، والمنطق، الذي يعصم ذهن الفيلسوف من الخطأ في التفكير" علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، بيروت: دار النهضة العربية (١٩٨٤) ص ٨٠؛ علي أحمد الندوي، القواعد الفقهية مفهومها، نشائها، دمشق: دار القلم (١٩٨٦) ص ٥٩؛ حامد محمود إسماعيل أصول الفقه الإسلامي، القاهرة (١٩٨٣) ص ٢٢٣ - ٢٢٤.