للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جولة، حتى يقر الحق في قراره ويتم من العدل ورفع الظلم ما أمر الله به، ومن رام أن ينصر باطلًا أو يدفع حقًّا فهو مركوس من غير فرق بين رئيس ومرؤوس (وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل). و (عند عزائم الرحمن يندفع كيد الشيطان).

وأما القياس (١): فاعلم أنه قد رسمه أهل الأصول بأنه مساواة أصل للفرع في علة حكمه ثم شرطوه بشروط وقيدوه بقيود هي معلومة عند من يعرف الفن لكنهم توسعوا في هذه المساواة وأثبتوها بأمور هي مجرد خيال، ليس على ثبوته إثارة من علم.

وبيانه أنهم جعلوا مسالك العلة أنواعًا فأكثر ما قيل أنها عشرة. ثم جميع هذه المسالك إلا القليل هي بحت الرأي ومحض الدعاوي المجردة، فعليك أن تضع قدمك موضع المنع، وتقوم في مقام الإنكار، حتى يوجب عليك المصير إلى شيء منها ما لا يقدر على دفعه ولا يشك في صحته كمسلك النص على العلة، ومسلك القطع بانتفاء الفارق، ومثل هذا فحوى الخطاب، وما شابه هذه الأمور، وإياك أن تثبت أحكام الله بخيالات تقع لك أو لعالم مثلك من سابق الأمة أو لاحقها، فإن عليك من الوزر والوبال ما قدمنا ذكره في هذا الكتاب.

وبالجملة: فالقياس الذي يذكره أهل الأصول ليس بدليل شرعي تقوم به الحجة على أحد من عباد الله. ولا جاء دليل شرعي يدل على حجيته، وإن زعم ذلك من لا خبرة له بالأدلة الشرعية، ولا بكيفية الاستدلال بها يعرف هذا من يعرفه، وينكره من ينكره، وأما ما كانت العلة فيه منصوصة فالدليل هو ذلك النص على العلة، لأن الشارع كأنه صرح باعتبارها إذا وجدت في شيء من المسائل من غير فرق بين كونه أصلًا أو فرعًا. وهكذا ما وقع القطع فيه بنفي الفارق فإنه بهذا القدر قد صار الأمران اللذان لا فارق بينهما شيئًا


(١) انظر مبحث القياس في: إرشاد الفحول ص ١٩٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>