للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأظهره في الناس (١)، فقامت شياطين المقلدة وفراعين البُدوان وخونة الوزراء في وجه هذا الأمر قيامًا يبكي له الإسلام، ويموت كمدًا عنده الأعلام، فجعلوا هذا المعروف منكرًا، وما كان الأمر السابق عليه من المنكر معروفًا وليس العجب ممن له حظ في المظالم ونصيب من المكس وقسط من السحت. فقد يفعل ذلك من يؤثر الدنيا على الدين ويبيع الآجل بالعاجل. ولكن العجب من جماعة لا حظ لهم في شيء من ذلك، ولهم حظ من العلم ونصيب من الورع متكئين على أرائكهم عاكفين على دفاترهم، صاروا ينكرون من الأمر ما يعلمون أنه منهم مخالفة لقطعيات الشريعة، مع علمهم بحكم من خالفها، واعترافهم بأن هذا هو الحق الذي اتفقت عليه الكتب المنزلة والرسل المرسلة، لكنهم يتركون تدبير الشرع، ويعودون لتدبير الدولة وما يصلحهم ويصلح لهم، حتى كأنهم من أهل الولايات، ومن القابضين للجبايات وظهر ما عندهم وتكلموا به للناس، حتى اعتقد من لا حقيقة لديه من العامة، ومن يلتحق بهم ومن أصحاب الدولة ومن شابههم. أني أرشدت إلى خطأ وأمرت بمنكر، فاجتمع من جميع ما قدمت ذكره تشوش خاطر الإمام. ومن له رغبة في شرائع الإسلام، فتوقف الأمر ولم ينفذه من يقدر على التنفيذ ممن له رغبة فيه، ووجد أعداء الله من الظلمة المجال فبالغوا في المخالفة والمدافعة والمحاولة والمصاولة (٢)، فاسمع هذه الأعجوبة واعتبر بها، وأني لا أشك أن الله سبحانه منفذ شرعه وناصر من نصره وخاذل من خذله ومتم نوره على رغم أنف من أباه. ولكن للباطل صولة وللشيطان


(١) ذكر الشجني أن الإمام المنصور أمر في شهر ربيع الأول سنة ١٢٢٢ هـ بهدم دكاكين المكوس المتخذة للجبايات فهدم منها ما بأبواب صنعاء جميعًا، التقصار ص ١٧٢.
(٢) استطاع وزراء المنصور ورجال حاشيته، الذين تضررت مصالحهم من هذا القرار، التأثير عليه وإقناعه بالعدول عنه، بحجة أن ذلك يضر بمركز الدولة وهيبتها. وبمواردها المالية، حتى تم لهم ذلك، انظر تفاصيل هذه الحادثة وما قاله الشوكاني عنها من الشعر في: التقصار ص ١٧٣ - ١٨٠.

<<  <   >  >>