للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأمامُ الحافظ أبو بكر بن العربي : إنه لكذلك عند العرب، ولَكِنْ يُخلف إيعاده ويَعْفُو، ويَقَعُ خبره على خلاف مُخْبِرِه، ويكون كَذِبًا، ويَلِيقُ ذلك به لنَقْصِه وتَغَيُّرِه.

وأمَّا مَلِكُ الملوك القُدُّوسُ الصَّادِقُ فلا يقع خبرُه أبدًا إلَّا على وَفْقِ مُخْبِرِه؛ كان ثوابًا أو عقابًا، فالذي قال في ذلك المحققون قَوْلٌ بَدِيعٌ، وهو: أن الآيات وَقَعَتْ مُطْلَقَةً في الوَعْدِ والوعيد عَامَّة، فخَصَّصَتْها الشريعةُ وبيَّنها الباري في كتابه في آياتٍ أُخَر، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]، وكقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦]، وكقوله: ﴿حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ [غافر: ١ - ٣]، وبالشفاعة التي كرَّم الله بها مُحُمَّدًا ومن شاء من الخَلْقِ بعده ومعه.

وقد قال يَزِيدٌ الفقيرُ: "شَغَفَنِي رَأْيٌ من رَأْي الخوارج، فخَرَجْتُ حاجًّا مع جماعة، فلَقِينَا جابرَ بن عبد الله، فقلنا له: إن الله تعالى يقول: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢]، فقال لي: أفتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعت بمقام مُحَمَّدٍ المحمود؛ الذي يُخْرِجُ الله به من يُخْرِجُ؟ وذكر الحديث: وإن قومًا يُخرجون من النار كأنهم عِيدَانُ السَّمَاسِم، قال: فيُدخلون نَهْرًا من أنهار الجنة فيغتسلون به، فيخرجون كأنهم القراطيس، فرجعنا فقلنا: ويحكم، أَتَرَوْنَ الشيخ يَكْذِبُ على رسول الله ؟ فرجعنا؛ فوالله ما خَرَجَ (١) منَّا إلَّا رَجُلٌ واحدٌ" (٢).


(١) خرج بمعنى: رَأَى رَأْيَ الخوارج.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم: (١٩١ - عبد الباقي).