للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا سائر الخلق؛ فإن من سعادة المرء أن يتقدَّمه الخوف من المنيَّة بتوقع وُرُودِها في فُسْحَةِ من العمر، بما يتحقق من مَغِيبِ الأجل عنه، أو يبلغ سن العبد (١) إلى الهرم، ويصير بعد النضارة حَرَضًا، فيحمله ذلك على استشعار الموت، فيقدم له التوبة، ويستدرك من صلاح العمل، حتى إذا أمر الله بقبض نفسه رُفع له الحجاب، وكُوشِفَ بأمر الآخرة، وخُلِقَ له إدراكها، فحينئذ ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨]، وإنما ينتفع المرء إذا أسلم في غَيْبٍ من أمر الآخرة، وهو:

المُحْتَضِرُ:

قال الله سبحانه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩]، وهذا أوَّل قول العبد المحروم: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾، وسيعود إلى سؤال ذلك، ولا يُقْبَلُ منه آخِرًا، كما لم يُقْبَلْ منه أوَّلًا.

ورُوي (٢) في الصحيح - واللفظ للبخاري - عن عبادة: قال النبي : "من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذلك (٣)، ولكن المؤمن إذا حضره الموتُ بُشِّرَ برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه ممَّا أمامه، فأحبَّ لقاءَ الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضِرَ بُشِّرَ بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه ممَّا أمامه، كره لقاءَ الله وكره الله لقاءَه" (٤).


(١) في (ص): الفَنَدِ.
(٢) في (س): الأولى في.
(٣) في (ص): ذاك.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت : كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، رقم: (٦٥٠٧ - طوق).