للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال القاضي : ولا يَحِلُّ لمن ادَّان أن يُصَوِّرَ نفسه عند من يداينه باسم الغني، فإن ذلك تلبيس (١) عليه، ويَحْرُمُ ما يأخذُ على هذا الوجه، إلَّا أن يكون به عالمًا، فلا يحتاج أن يُبيِّنَ له ذلك، وإنما يتعامل الناس بأديانهم ومروءاتهم، والمال تَبَعٌ، فقد (٢) يذهب المالُ بآفة، والمروءة والدين باقيان، وأعظمُ ذنب عند الله أن يقول الرجل لمن يأخذ دينه: أنا غني، وهو فقير، وإذا عَلِمَ ذلك الرجل من حاله (٣) أنه عَدِيمٌ؛ فدخل معه على ذلك فهو أَخَفُّ لإِثْم الآخِذِ؛ لأن أخذه لما لا يريد أداءه حرامٌ، وإقدامُ ذلك على إعطاء ماله تضييع، فأمَّا من غُرَّ بذلك من نفسه فإنه يُؤَدَّبُ، حتى تكاد نفسه تذهب، ويُطاف به حتى يكون ذلك رَدْعًا لغيره، ولكل واحد من هذه الأحوال صفات تأتي إن شاء الله فيها، تمامُها:

الحالة التاسعة: [مُلَازَمَةُ المدارس والرِّبَاطَاتِ]

وهي مختصة ببعض (٤) البلاد دون بعض، وهي بأن يَقْوَى على طلب الفقه؛ فيدخل المدارس الموقوف عليها الأحباس لأرزاق الطلبة، فيَدْأَبُ في طلب العلم ويلزم الدرس، فيجري عليه رِزْقُه مُيَاوَمَةً في الخبز، ومُشاهرة في القُوت للأُدُمِ، أو ينقطع إلى الرِّباطات مع الصوفية؛ فيجري عليه رِزْقُ الصوفية، وتَأَتِّي الغَداء والعَشاء إن كان مُفْطِرًا، أو العَشاء إن كان صائمًا، ويجتمعون عليه ويأكلون (٥) بأدب عظيم وحالة حسنة، وكذلك كان


(١) في (ص): يلتبس.
(٢) في (ص): فلأنه.
(٣) سقط من (س).
(٤) في (د): أهل.
(٥) في (ص): يأكلونه.