للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضلَّ في هذه المسألة المبتدعة، وغَفَلَ عنها كثيرٌ من العلماء.

فأمَّا المُبْتَدِعَةُ (١): فلمَّا رَأَوْا هذه الآيات الوَعِيدِيَّةَ كلَّها قالوا: "إنَّ من أَذْنَبَ ذنبًا واحدًا فهو مُخَلَّدٌ في النَّار تَخْلِيدَ الكُفَّارِ" (٢)؛ أخذًا بظاهر اللَّفْظِ، فلم يَفْهَمُوا العربية، ولا كتاب الله، وأبطلوا الشفاعة؛ شَفَاعَةَ رسول الله ، ورَاعَوْا آيةً فَهَدَمُوا عَشْرَ آياتٍ، وأرادوا أن يحفظوا أَصْلًا بزَعْمِهم فهَدَمُوا أُصُولًا.

وأمَّا علماؤنا: فمنهم من قال: إن آيات الوَعْدِ حَقٌّ، نَافِذَةٌ على كلِّ حال، وآياتُ الوعيد وَقْفٌ على مشيئة الله؛ إن شاء أَنْفَذَها وحقَّق وَعِيدَه، وإن شاء أسقطه وعفا عنه (٣).

فقال لهم المبتدعة: خَبَرُ الله صِدْقٌ، ولا يَجُوز أن يوجد بخلاف مُخْبِرِه.

قالوا لهم: "أنتم قَوْمٌ عَجَمٌ، العرب إذا وَعَدَتْ أَنْجَزَتْ، وإذا تَوَعَّدَتْ عَفَتْ" (٤)، قال شاعرهم مُفْتَخِرًا بخَصْلَتِهم في ذلك ومَنْقَبَتِهم:

وإنِّي إذا أَوْعَدْتُه أو وَعَدْتُه … لَأُخْلِفُ إِيعَادِي وأُنْجِزُ مَوْعِدِي (٥)


(١) يقصد بهم الخوارج والمعتزلة.
(٢) المتوسط في الاعتقاد -بتحقيقنا-: (ص ٤٦٤).
(٣) ممَّن قال بذلك الإمام القلانسي وأبو بكر الباقلاني، ينظر: المتوسط في الاعتقاد -بتحقيقنا-: (ص ٤١٤).
(٤) هو قول أبي عمرو بن العلاء، يَرُدُّ به على عمرو بن عُبَيد، ينظر: شرح عقيدة الرسالة للقاضى عبد الوهاب: (ص ١٧٨).
(٥) البيت من الطويل، لعامر بن الطفيل، كما في ديوانه: (ص ٥٨).