للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمَّا الوجه الأوَّل - وهو الأصل -: فإنَّ الله لا يُحاط به علمًا، ولم يخلق البشر على ذلك النصاب، ولا بلَّغهم تلك الرتبة.

وأمَّا الوجه الثاني: فإنَّ المقدار الذي شَرَعَ للخلق منهاجه من معرفته عليه حُجُبٌ كثيرة، أصلها حب الدنيا، وضرورة الآدَمِي إلى الحاجة منها، فإن الضرورة إلى الحاجة قاطع عن المعرفة الكاملة، والحبُّ للدنيا ربَّما قَطَعَ عن جميعها أو معظمها، وبقدر إعراض الناس عن الدنيا يكون علمهم بالله تعالى.

[نَقْضُ كلام أبي حامد في معرفة الله]:

وقد وَهِمَ في هذا الفصل أبو حامد الغزالي وهمًا كبيرًا على قَدْرِه، فقال: "إنَّ السبب في خفاء الله عن أكثر الخلق ظهوره وجلاؤه، فإنه ليس في الملكوت ذرَّة إلا وهي دليل عليه وشاهدة به، ولما كثُر ذلك وعظُم وظهر غَلَبَ (١) العقولَ وبهرها، كما يعتري البصير مع ضوء الشمس، وكما أنه يضعف بصرُه عن نور الشمس كذلك تَضْعُفُ بصائرُ الخلق عن إدراك معرفة الله" (٢).

وقال: "هذا معنى قوله: حِجَابُه النُّورُ".

وذَكَرَ كلامًا ضعيفًا بيَّنَّاه في كتاب "الأمد الأقصى" (٣)، لم أَرَ ذِكْرَه لكم لوجهين:


(١) في (د): غلف.
(٢) الإحياء: (ص ١٦٨٦ - ١٦٨٧).
(٣) الأمد الأقصى - بتحقيقنا -: (١/ ٤٩٩ - ٥٠٣).