للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروم قُمْنَ إليهم بالسَّبِّ ورمي التراب في وجوههم، فحصدوهن بالسيوف، وأنزلوا بهن الحتوف، قال لي من عاين ذلك وهو في سطح المسجد الأقصى: كُنَّ قريبًا من ألف امرأة" (١).

أَدَبُ نساء بغداد:

قال ابنُ العربي: "ولقد خرج بعضُ الغرباء ببغداد في فُرْجَةٍ ليوم هو عندهم بها معروف، في رفقة من أهل الطلب، وكان منهم من يُحْسِنُ الأدب، فساروا، فلمَّا برزوا عن المنازل وصاروا في صحراء البلد على شاطئ الوادي يتماشون لارتياد مجلس، إذا بامرأة لها حِشمة، يَحُفُّ بها جَوَارٍ لها، لهنَّ مَنظرة وشارة، فتقدَّم منهم واحدٌ إليهن، فلمَّا دَانَاهُنَّ قال مخاطبًا لهن - يعني: سيدتهن -:

من أين يأتي ذا الغزال الذي … قد كُحِلت بالسِّحْرِ عيناهُ

فصَرَفَتْ سيدتهن رأسها إليه بأسرع من لَمْحِ البصر فقالت:

من دوحة المجد ودار التقى … فسعيُه يرضى به اللهُ

فسُقِطَ في يده لِمَا سمع من الفصاحة، وتبيَّن من العفة والجلالة، وكَفَّ ورجع إلى أصحابه من خلف، وطفقوا يُصَفِّقُونَ عجبًا، ويُفنون القول؛ حَسُنَ ذَا دِيَانَةً وأدبًا، ونزلت مع جواريِّها في ظِلٍّ، وضربوا الرواق من المُلاء الصِّفاق، ولم يكن بأقرب من أن أرسلت إليهم جاريتين من جواريها معهما أطباق، فيها طعام وحلاوة، فأكلوا وأقاموا هنالك، حتَّى لما حان انصرافهم أرسلت إليهم جارية تقول لهم: تقدَّمُوا في الرجوع، فليس


(١) سراج المريدين: (٤/ ٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>