للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مغالاة]

حتى انتهى الإسرافُ بقوم إلى أن يقولوا: "إن حقيقة الزهد من زَهِدَ في الجنة والحُور، وأعرض عمَّا فيها من النعيم والحُبور، وصرف قلبه إلى الله وحده" (١)، وهذه طريقة ضعيفة؛ إنما رغبت الأنبياء في النعيم، ومن جملته رؤية الله سبحانه.

ومناطُ الأمل فيها ما يقرن الله بها من النضرة واللذة ويخلقه عندها، فالكُلُّ نعيمٌ مخلوق (٢) محبوب، وبعضه أفضل من بعض.

وقد قال النبيُّ : "إن الله يقول لأهل الجنة: أَلَا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وما أفضل من ذلك؟ فيقول: رضائي، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا" (٣)، فجعل الأمن من الزوال وتمادي الوصال غايةَ الآمال، وليس فوقه مثال.

ولا يبعد أن يكون في الجنة من يقول: "أَمَلِي أن أراك"، كما يقول آخر: "أملي أن أزرع"، وتتفاوت الآمَالُ على قَدْرِ مقاصد الرجال، وبعضُها أفضل من بعض.

والزُّهْدُ إنما هو عبارةٌ عن تَرْكِ المباحات في الدنيا، فإذا خرجنا عن متاع الدنيا لم يكن زُهْدٌ (٤)، إنما هو رغبة كله، ونعيم دائم، وإنما يرغب الزاهد عن المباحات لما يرجو من الأَعْوَاضِ الكريمة في الجنات، كما


(١) هو قول الإمام أبي حامد الطوسي، ينظر: الإحياء: (ص ١٥٨٢).
(٢) سقطت من (ص).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) في (ص): زهدًا.