للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوكل، والثقة بعطاء الله وفضله، مع العبادة والتبتل والانقطاع إلى الله تعالى، وهذا الذي كان يقصده ابن العربي بخصوص معرفته بمقالات القوم ومقاماتهم، ومقاصدهم وأغراضهم، وما كان ليكون ذلك لولا هذه الصحبة الطيبة، والمرافقة الكريمة، وأعانه على ذلك حِرْصٌ وتَهَمُّم مُتَّقِدَانِ، جعلاه يقف على منتهى مرامهم، ومرتقى طلبهم.

وقال في شأن مصاحبته للعبَّاد والزهَّاد: "لقد عَبَدْنَاهُ في المسجد الأقصى- طهَّره الله- ثلاثين شهرًا، في ثلاثة أحوال؛ مع أُمَمٍ من العابدين والعاكفين والعَالِمين، نحوًا من ثلاثة آلافٍ مَعْلُومِين، حَصَدَتْهُمُ السيوف في غَدَاةٍ واحدة" (١).

وحُقَّ له بعد هذه الصحبة أن يكون عارفًا بهم، مُطَّلِعًا على أغراضهم، وحُقَّ له أن يكون بصيرًا بمسالكهم وطرائقهم على صعوبتها، وقد كان من بلد لا ينظر إلى هؤلاء الناس بعين الرضى، ممَّا سَبَّبَ الوحشة من مقالاتهم، والرِّيبَةَ في مقاماتهم، فلم يمحهما عنده إلَّا بهذه الخلطة والصحبة، ثم آبَ إلى نفسه وقد عرف أَفضالهم وإِفضالهم.

وأَمْرٌ آخر أعانه على ذلك؛ وهو مباحثته لكُتُبِ القوم، ومعرفته بمصادرهم ومواردهم، وفي ذلك يقول الإمام ابن العربي: "كنتُ وقفتُ على كثير من كُتُبِه، ممَّا جمعه أربابُ الذِّكْرَى، الذين أوَّلهم المُحاسبي، وآخرهم القُشَيري" (٢).


(١) سراج المريدين: (١/ ٢٠).
(٢) سراج المريدين: (١/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>