قلت: وقد خالفه عارم (٢٣) - محمد بن الفضل السدوسي - وسعيد بن منصور وأبو عبيد وغيرهم فأوقفوه عن هشيم، وخالفوه في المتن فقالوا:"أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". ثم وجدت الحافظ البيهقي رحمه الله رواه في "الشُعَب"(ج /١ ق ٣ ص ٦١) من طريق سعيد بن منصور به موقوفًا وقال: "هذا هو المحفوظ موقوف. ورواه نعيم بن حماد عن هشيم فرفعه". فالحمد لله على توفيقه. وقد تابع نعيمًا على رفعه عنده: يزيد بن مخلد بن يزيد وهو مستور، والراوى عنه ضعيف.
هذا ولا يبعد إطلاقا أن يتوارد راويان ضعيفان على خطأ واحد في حديث بعينه، فإن بلية كُلٍّ من سفيان بن وكيع ونعيم بن حماد في رفع الموقوفات والخطأ في الأسانيد واحدة على اختلاف التفاصيل!
(أما) الرواية الموقوفة لحديث الترجمة، فعند ابن أبى شيبة (١٠/ ٣٥٤) عن الحسن ابن موسى الأشيب أخبرنا حماد بن سلمة به موقوفًا. وبوَّب عليه:"ما ذكر عن قوم مختلفين مما دعوا به" وإسناده صحيح.
والحسن بن موسى ثقة حافظ، قال الإِمام أحمد:"كان من متثبتى أهل بغداد". وقال:"وكان الأشيب ضابطًا لحديث شعبة وغيره ... ".
هذا ولقائل أن يقول: إن حماد بن سلمة قد يهم في غير حديث ثابت وحميد الطويل، فلعله وهم أيضًا في هذا الحديث أو اضطرب.
قلنا: حماد ثقة حافظ، لا يجوز توهيمه بغير حجة ولا بَينّةَ، ولو سلمنا جدلًا بوهمه في هذا الحديث فإن الأوهام - عامة - ولدَى حماد بن سلمة خاصَّةً - تكون
(٢٣) إلا أن عارما تفرد بقوله "ليلة الجمعة" وخالفه جماعة عن هشيم. وهذا الحديث أمره عجيب جدًا، فمع اختلافهم في رفعه ووقفه - مرة عن هشيم ومرة عن شعبة - وفى متنه - كما في رواية عارم - فمن الطرائف أيضًا أن الثورى وشعبة خالفًا هشيما فقالا: "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت" هكذا بدون تقييد بالجمعة. فرواية هشيم شاذة كما سأبين في كتابي في "العلل" بمشيئة الله.