الشوكاني رحمه الله في "إرشاد الفحول"(ص ٤٧) -كما ذكره عنه محقق "مسند الشهاب" وسكت عنه-: "وقد قيل: إن الإِصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هى مقالة لبعض الصوفية (! )، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار، وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ جعله حديثًا, ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإِصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإِصرار على الصغيرة صغيرة، والإِصرار على الكبيرة كبيرة" اهـ.
والعجب منه كيف خفى عليه هذا الأثر - مع ثبوته في أشهر مصدرين للتفسير بالأسانيد- مع سعة اطلاعه وتصنيفه في التفسير وسائر العلوم -ولا يرد على ذلك احتمال أن يكون قد وقف عليه ولم يعبأ به، إذ لو كان الأمر كذلك لعزاه إلى ترجمان القرآن الذى دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل- ثم ناقش حجيته من عدمها, ولما عزاه إلى صوفى مجهول لا يلتفت إلى كلامه في التشريع والغيبيات المستندة إلى النص والتوقيف أو الفهم الصحيح لكتاب الله عز وجل. فليعلم الجميع موقفنا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومقدار جلالتهم (٩٦) في قلوبنا، ففى مثل هذا الموطن نقول ونصرخ:"إن لم نتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن نتبع"؟ ! خلافًا لأخ فاضل قالها احتجاجًا على قوله في "البدائل المستحسنة"(هامش ص ٨٧ من القسم الأول): "ومع ذلك، فالطعن في المتن -أعنى حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"- لا يزال واردًا، لتجويزه الاقتداء بكبار علماء الصحابة مع ثبوت خفاء بعض السنن عليهم، أو رَدِّها بما رأوه أثبت منها".
(٩٦) وقد كان الإِمام أحمد إمام أهل السنه والحديث - يقدم الآثار المتصلة على الأحاديث المرسلة بل ذكر له وهو يئن في مرض الموت عن ليث عن طاووس أنه كان يكره الأنين للمريض فكف بن الأنين في لحال مع أن ليثا ضعيف وطاووس تابعى، فما أشد عجبى لمن زعم الانتساب إلى أهل الحديث، ولم يوقر السلف توقير أهل الحديث لهم.