وأجاب الجمهور عن هذه الأدلة:
أما الآية:
بأن وجوب السعي للجمعة إنما هو على من هو مخاطب بها، والمسافر غير مخاطب بها، فلا يشمله الوجوب ولو سمع النداء.
وأما الصحابة الذين يفدون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصلون معه:
فهذا لا دلالة فيه على الوجوب، لأن حضورهم للصلاة مع أفضل الخلق من أفضل القربات، وغاية ما يدل عليه ذلك صحة الجمعة من المسافر، أما وجوبها فأمر آخر لا يدل على مجرد الفعل.
(ببِناءٍ).
أي: بوطن مبني.
فإن كانوا من أهل الخيام كالبوادي فلا تلزمهم الجمعة.
لأن البدو الذين كانوا حول المدينة لم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بإقامة الجمعة.
(ليسَ بينَه وبين المسجد أكثر من فرسخ).
أي: فمتى كانت المسافة بين من تلزمه الجمعة وبين مكان إقامتها أكثر من فرسخ، فإنه لا تلزمه الجمعة.
وهذه المسألة وقع فيها خلاف بين العلماء: من كان خارج المدينة أو القرية وليس لديهم جمعة:
فمن الفقهاء من قال: إن سمعوا النداء - نداء الجمعة في المدينة أو القرية - لزمتهم الجمعة وإن لم يسمعوا لم تلزمهم.
وهذا مذهب الشافعية وقول محمد بن الحسن وعليه الفتوى عند الحنفية.
ومنهم من قال: إن كان بينهم وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ أي ثلاثة أميال لم تلزمهم الجمعة، وإن كان فرسخ أو أقل لزمتهم.
وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
ومنهم من قال: تجب على من يمكنه أن يذهب إليها ثم يرجع إلى أهله قبل الليل.
حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وأنس وأبي هريرة ومعاوية والحسن ونافع مولى ابن عمر وعكرمة وعطاء والحكم والأوزاعي وأبي ثور وهذا الحكم فيمن كان خارج البلد.