للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شياطينهم المباشرين للفتنة من الفقهاء فجيء بهم من الحبس إليه وضربهم بالعصي تحت داره وهو ينظر، ثم أرسل في اليوم الآخر لجماعة أهل السوق المباشرين للفتنة فصنع بهم ما صنع بأولئك، ثم جعل جماعة من شياطين الجميع في سلاسل، وأرسل بهم إلى جزائر البحر في هيئة منكرة فسكنت الفتنة سكونًا تامًّا.

ولقد شاهدت من التعصبات في هذه الفتنة ما بهرني من الخاصة والعامة، أما الخاصة: فإني رأيت من أهل بيت الخلافة من أولاد الإمام وغيرهم ومن الوزراء والأمراء والقضاة وأهل العلم من ذلك ما يعجب منه، فإني لما أشرت على الخليفة بما أشرت خرجت من المكان الذي هو مستقر فيه إلى حجرته وفيها أكابر أولاده وهم إذ ذاك أمراء الأجناد، وعندهم جميع الوزراء وهم جميعًا في أمر مريج (١) فيهم من يعظم عليه حبس أولئك المدرسين ويراه حطًّا في مرتبة الرفض ونقصًا من الرافضة، وقد قتل منهم ذلك الوزير الرافضي في الذروة والغارب (٢) وأوهمهم أنها ستثور فتنة من العامة والأجناد، وما زال بعض أولاد الخليفة يردّد علي ذلك ويرغبني في الرجوع عن الشور الذي أشرت به على الخليفة ويذكر ما قد ألقاه إليه الوزير الرافضي من خشية ثورة الأجناد والعامة، فمازلت أعرفه بالصواب وأذكر له أن هذه الفتنة لو لم تحسم يومنا هذا بحبس المثيرين لها لهلك غالب الناس في الليلة الواصلة ونهبوا الأموال جهارًا، وأنه سيصل الأمر إلى الخليفة وأولاده فضلا عن غيرهم، وعرفته أنه ما سيثور بسبب ذلك أجناد ولا


(١) في (ب) مريع.
(٢) قتل في الذروة والغارب: الذروة أعلى السنام، الغارب: مقدم السنام (ما بين السنام والعنق) وأصل قتل في الذروة هو أن يجيء الرجل بالخطام إلى البعير الصعب وقد ستره منه لئلا يمتنع عليه فيأخذ في قتل أعلى سنامه حتى يأنس به فإذا تمكن منه وضع له الخطام ليقوده به، وهذا المثل يضرب في الخداع والمماكرة (مجمع الأمثال، للميداني ٢/ ٤٣٦ لسان العرب مادة قتل).

<<  <   >  >>