للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، إني فلان بن فلان، قَصَدْتُكَ مُسْتَغْفِرًا من ذنبي، مُتَشَفِّعًا بك إلى ربي، وقد بلَّغتنا عنه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ﴾، وقد فَعَلْتُ، ﴿وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾، فافْعَلْ صلَّى الله عليك ما أخبرتَنا به عنه تعالى، وفارقتُه على هذا" (١).

وهو نَصٌّ يُظْهِرُ تعلق ابن العربي برسول الله ، واهتباله بجلاله، وقوله: "إنه رأى نورًا ساطعًا إلى السماء"؛ ممَّا يَدُلُّ على شفوف بصره وبصيرته، ولعله شيء قد خُصَّ به، كما خُصَّ به بعض أهل الله وخاصَّتِه، ومناجاته لرسول الله ومعاهدته مما يَدُلُّ على أن هذه الطريقة سيرة مرويَّة، وحكاية محكيَّة، والله أعلم.

وقال في وصف مكة المعظمة: "وأمَّا من أراد الآخرة فعليه بمكَّة؛ فإنه يرى واديًا وَحِشَ المَنْظَرَةِ، رَمْلَةٌ هامدة، لا تُنبت مَرْعًى، محفوفًا بجبلين؛ شرقيًّا: أبو قُبَيْسٍ، وغربيًّا: كَدَاء -ممدودٌ-، حجارة مُسْوَدَّة، وشماريخه في السماء ممتدة، صَعْبُ المرتقى، عديم المرعى، في بطنه بَيْت قد بُني من حجارة سُودٍ؛ غير مُحْكَمَةِ النَّجْرِ، ولا مُرَتَّبَةِ الوضع، فما هو إلا أن يقع بصرك عليه فتجد لقلبك به عِلَاقَةً أشدَّ من عِلَاقَةِ الجارية الحسناء ذات الجمال، بقلب الشاب الذي عَدِمَ النساء، لا تمل من النظر إليه، ولا تسأم من الطواف به، في أحد أركانه حَجَرٌ أَسْوَد، إذا لَثَمْتَه وجدتَ أعذب من رُضاب الكِعاب، وأشهى من شَمِّ العُرْبِ الأتراب، فإذا غبتَ عنه تَلَفَّتَ قلبُك إليه أبدًا، وطلبتَ المَثَابَةَ إليه باقي عمرك، لغير معنًى


(١) سراج المريدين: (٤/ ٢٢٢ - ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>