وقوله هذا دليلُ عَدْلِه وإنصافه؛ فإنه لم يأخذهم بجريرة البعض، بل ذَكَرَ أن فيهم ما في غيرهم من الطوائف، من المتكلمين، والمتفقهين، والمحدثين، وغيرهم من أهل العلوم المِلِّيَّةِ، فيهم الصالح والطالح، وكذلك هم، فيهم السَّابق بالخيرات، وفيهم المقتصد، وفيهم دون ذلك، ولكن العبرة بصفاء الأصل، وسلامة المنهج، وهو الذي يُفَسِّرُ نَقْدَه لمن نَقَدَه، ونَقْضَه لما نَقَضَه، فالأصلُ أن يُجعل كل كلام في موضعه، مع سباقه ولحاقه وسياقه، ومعه سلامة الوزن، والتعفف عند الحكم، وغير هذا المسلك فهو طريقٌ مَخُوفٌ، ودونه مفاوزُ وحُتُوفٌ.
وقال ابن العربي في ملازمة المدارس والرباطات:"وهي مختصة ببعض البلاد دون بعض، وهي بأن يَقْوَى على طلب الفقه؛ فيدخل المدارس الموقوف عليها الأحباس لأرزاق الطلبة، فيَدْأَبُ في طلب العلم ويلزم الدرس، فيجري عليه رِزْقُه مُيَاوَمَةً في الخبز، ومُشاهرة في القُوت للأُدُمِ، أو ينقطع إلى الرِّباطات مع الصوفية؛ فيجري عليه رِزْقُ الصوفية، وتَأَتِّي الغَداء والعَشاء إن كان مُفْطِرًا، أو العَشاء إن كان صائمًا، ويجتمعون عليه ويأكلون بأدب عظيم وحالة حسنة، وكذلك كان حال تلك الأرض؛ من باب بغداد إلى أقصى خراسان، واتفق ذلك بجُود الملوك وسَمْحِ الأغنياء؛ فإنهم يبنون المدارسَ والرِّبَاطَاتِ، ويُوقِفُونَ عليها العقارات، ويَسْتَدِرُّونَ منها في كل وقت فائد الغلَّات، فيجد الطالب للعلم مأوًى، ولا يعدَم المُقْبِلُ على الله المُعْرِضُ عن الدنيا رِزْقًا"(١).