للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الأحاديث هي مستند ذلك المفتي في قوله: إن من لبس الحمرة لم تجز شهادته، فكيف يستتاب، وإلَّا قتل؟

وأمَّا ما ورد من أنه لبس حلة حمراء، كما قال جابر بن سمرة: رأيتُ النبي في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو في عيني أحسن من القمر، فقال شراح الحديث: إن الحلة بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، وإنما سميت حمراء باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر، ولذلك نَصُّوا على أن لبس الأحمر القاني مكروه شديد الكراهة.

ومعلوم أن البرنس الذي كان على ابن العربي إما من الجوخ أو من الصوف؛ وهو أحمر قاني، ليس فيه خطوط من غيره؛ لأن المغاربة لا يلبسون ذلك، وقد قال هو: إنه من لباس الجند، والجند لا يلبسون إلا الأحمر القاني" (١).

قلتُ: وننقد هذا الاعتراض من وجوه:

الأوَّل: ما ذكره ابن العربي فيما جرى له مع ذلك المفتي لا يدل على ما فهمه هذا الغماري، فابن العربي علم أن هذا المفتي قال ما قاله حسدًا من عند نفسه، وقد ذكرنا أن ابن العربي قد ابتُلِيَ بحسدة لا يستحون، وعَلِمَ الإمام ابن العربي أن هذا المفتي يريد الغض منه والحط من مرتبته، فأجابه بما يليق به، وكان في قول هذا المفتي الكثير من الجهل، فإنه إن كان مالكيًا - وهو الأصل - فقد علم أن مالكًا يجيز لبس الأحمر، فأغلظ له ابن العربي لأمرين اثنين:


(١) جؤنة العطار: (٢/ ٤٣ - ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>