للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقول له الصوفية: "العِلْمُ اللَّدُنيُّ"، وهذه دعوى عريضة، كل عِلْمٍ اللهُ يُعَلّمُه، وكيفية التعليم لا تُعلم إلَّا بمشاهدة، أو بخَبَرِ (١) صِدْقٍ.

وقد قال الخضر لموسى في الحديث الصحيح: "إنك لن تستطيع معي صبرًا؛ إنِّي على عِلْم من عِلْمِ الله عَلَّمَنِيهِ لا تعلمه، وأنت على عِلْمٍ من علم الله علَّمكه لا أعلمه" (٢).

يعني: أنت على الظاهر، وأنا على الباطن المغيَّب، فإذا رأيت خلاف ما تعرف فلا تنكره؛ لأنه عِلْمِي الذي يخالف عِلْمَك، والذي أنت مُرِيدٌ لتَعَلُّمهِ، قال له: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠)(٣) [الكهف: ٦٩، ٧٠].

فنَسِيَ موسى واعترض عليه، فعفا عنه وغفر له؛ لأنه احتجَّ عليه بشرْطِ التكليف، وأن النسيان لا يدخل تحته، ولا يؤاخذ به في الآخرة إجماعًا، واختُلِفَ هل يؤاخذ به (٤) في الدنيا؟ على تفصيل بيانُه في "حُكْم (٥) الفقه"، والصحيح أنه لا يؤاخذ به في الإثم ولا في الحُكْم فيما كان حقًّا لله؛ كالطلاق ونحوه، وما كان حقًّا للآدَمِيِّ فإنه (٦) يؤاخذ به باتفاق، وقد بيَّنَّا ذلك في "كتب الفقه" (٧).


(١) في (د): لخبر.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بن كعب كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله، رقم: (١٢٢ - طوق).
(٣) بعده في (ك) و (ص): من ذلك.
(٤) سقطت من (ك) و (ص) و (ب).
(٥) في طرة بـ (د): في خـ: كتاب.
(٦) في (د): ماله.
(٧) أحكام القرآن: (٣/ ١٢٤٦).