للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعمال في كل الأحوال، ولا يناسب ذلك الاختلاف عند النبي؛ فإنه لا ينبغي عند النبي التنازع، إذ (١) التنازع إنما يكون عند الجهل، ولا جَهْلَ بحضرته؛ فإنه يَنْبُوعُ العلم.

ورَفَعَا أصواتهما بمجلسه فكان ذلك (٢) مخالفًا للتوقير، وسكت على ذلك النبي لعِلْمِه بحُسْنِ نِيَّتِهما وسلامة طَوِيَّتِهما، وأنَّهما أرادَا الخير، ولكن فَاتَهما في قَصْدِ الخير إتيانُ التنازع ورَفع الصوت نسيانًا، فحذَّرهما الله عن الوقوع في مثل ذلك بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢]، ونَبَّهَهُما على ما كَانَا غافلين عنه غير مُتَعَمِّدَيْنِ له، فحَقَّقَ عُمَرُ التوبة ولَزِمَ الإنابة، فكان لا يُكَلِّمُه بعد ذلك إلَّا كأخِي السِّرَارِ.

وفي هذه الآية فوائدُ منها: أنه شرَّفهم بالإيمان في ابتداء المخاطبة، ثم أعلمهم بعد ذلك ما ألزمهم؛ وذلك ألَّا يتقدَّموا بين يَدَي رسول الله بأَمْرٍ، وأن يَقِفُوا حيث وَقَفَ بهم النهي والأمر، وأن يرفعوا (٣) إليه ما هو إليه، ولا يبتدئون من ذات أنفسهم شيئًا، ولا يُنْشِؤون (٤) معنًى، ولا يسوقون لفظًا، فيكون على رَسْمِ الاقتداء والاتباع، لا في سبيل الابتداء والابتداع (٥).


(١) في (د): إذا.
(٢) سقط من (ك) و (ص) و (ب).
(٣) في (ك) و (ص): يُرجعوا.
(٤) في (ك): ينشرون.
(٥) ينظر: لطائف الإشارات: (٣/ ٤٣٧).