للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما قال النبي في المال: "إنه نعم صاحب المسلم" (١)، فكذلك يكون الفقر؛ نِعْمَ صاحب المسلم، ما قَصَّرَ به أملَه، وحَسَّنَ عمله، وأتبعه رِضَى الله وشكره، ولا يعتقدُ أنه في حال فقره أقل منه في حال غناه، هذا نبيُّنا كان يُؤذى ويُضرب ويُهان ويُجلى، ثم ملَّكه الله النواصي، وأباح له الصَّيَاصِي، وجمع على محبته قلوب الدَّاني والقاصي، ولم تكن نعمة الله عليه في إحدى الحالتين بأقلَّ من الأخرى.

فإن قيل: وكيف يكون المالُ نعمة وهو زينة الحياة الدنيا؟

قلنا: هو معونة على الطاعة، وفتنة في الشهوة، وكذلك الولد؛ هو سبيلٌ إلى الخيرات وفتنة، وكذلك صحة البدن، فإذا سَلِمَتْ عن الغوائل كانت نعمة، وإذا اقترنت بها آفة كانت نقمة، ولكثرة آفة المال رُغِبَ عنه، ولأنَّ صحة البدن أَصْلٌ في الطاعات رُغِبَ فيها، فالحاجةُ إليها آكَدُ من الحاجة إلى المال والولد.

وكلُّ ما فيك وفي الأرض نِعْمَةٌ من الله عليك، تزداد بالشكر في متعلقات إرادتك الدينية، وتذهب بالكفران في متعلقات (٢) إرادتك الشهوانية، كما قال: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠]، وقال في مقابلة ذلك: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠]، لتسلم النِّعَمُ ظاهرُها وباطنُها من الإثم ظاهرِه وباطنِه (٣)، فيتطهَّر الظاهرُ من دَرَنِ (٤) الظاهر، ويتطهَّر الباطن من دَرَنِ (٥) الباطن.


(١) سبق تخريجه.
(٢) في طرة بـ (د): متعلق، وصححَّها.
(٣) في (ك) و (ب): ظاهرة وباطنة.
(٤) في (ك): دون.
(٥) في (ك): دون.