للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَوَّلُ ما يُرْوَى ذلك عن الخليل ، فإن الله لما آتاهُ رُشْدَه ويسَّر له من السداد والتوحيد سَبِيلَه وقَصْدَه؛ حتى بَلَغَ من الهداية إلى أن يَعْلَمَ أنَّ من يَنتَقِل ويَزُولُ ويَتَصَرَّفُ بين الطُّلوع والأُفول ليس برَبٍّ، ولولا ما كان سَبَقَ (١) له من الرُّشْدِ (٢) ما عَرَفه مُحْدَثًا قَبْلَ أن يراه مُنْتَقِلًا (٣)، ولمَا كان مُحْتَجًّا على قَوْمِه بما لم يَعْرِفْ من حاله، ولكن لمَّا سَبَقَتْ له المعرفةُ بالمخلوقات كُلِّهَا، وأنها صادرةٌ عن الخالق وحده؛ الذي لا يتغيَّر بالحالات، ولا يُشْبِهُ المُحْدَثَاتِ، حينئذ دعا قومه إلى الحِجَاجِ بما آتاه الله من الدليل الذي أخبر عنه بقوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: ٨٣]

ومِثْلُها في الدليل قولُه تعالى: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]، فغيَّر المنكر بالحق، واستدلَّ عليه بالدليل الحق، وهو دَلِيلُ الخُلْفِ؛ الذي ينفع في قلوب المبتدئين (٤) أعظم مما ينفع الدَّلِيلُ المُطَّرِدُ، فإنك تُرِي الجاهل في الجدال أنَّك معه؛ حتى تنتهي به إلى موضع لا يُمْكِنُه الاطِّرَادُ إليه (٥)، فتدعوه الضروره إلى أن يَرْجِعَ معك إلى هَدْمِ ما بَنَى، وحَلِّ ما عَقَدَ، فتبلغ المُرَادَ في لُطفٍ بحِكْمَةِ (٦) اللَّطِيفِ وحُكْمِه.


(١) في (س): سنن.
(٢) في (س): رشد.
(٣) في (ص): مستقبلًا.
(٤) في (د): المهتدين، وفي (ص): المبتدعين.
(٥) في (ص) و (د) و (ز): عليه.
(٦) في (د): لحكمة.