لقوله -صلى الله عليه وسلم- (فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا).
أي يقدم من تقدم إسلامه على من تأخر.
فإن استويا فالأكبر سناً.
فابن الثلاثين يقدم على ابن العشرين أو ابن خمس وعشرين.
ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (وليؤمكم أكبركم).
فإن قيل: كيف قدم الأكبر سناً هنا؟
لأنهم كانوا متساوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعاً، وأسلموا جميعاً، وصحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما تقدم به إلا السن، وقد جاء عند أبي داود:(وكنا متقاربين).
كما في حديث مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ (أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري).
فلما تساووا في القراءة والعلم والهجرة أمرهم بتقديم الأكبر سناً.
قال النووي: والمختار تقديم الهجرة ثم السن، لحديث أبى مسعود، وأما حديث مالك بن الحويرث فإنما كان خطاباً له ولرفقته، وكانوا في النسب والهجرة والإسلام متساوين، وظاهر الحديث في الصحيحين أنهم كانوا في الفقه والقراءة سواء، فإنهم هاجروا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقاموا عنده عشرين ليلة، فصحبوه صحبة واحدة واشتركوا في المدة والسماع والرؤية، فالظاهر تساويهم في جميع الخصال إلا السن فلهذا قدمه وهذه قضية غير محتملة لما ذكرته أو هو متعين فلا يترك حديث ابي مسعود الصريح المسوق لبيان الترجيح بهذا والله أعلم. … (المجموع).