قال الحافظ ابن حجر: فدل ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي، وأخذه من حديث الباب من جهة التطيب، فإنه لا يقع إلا بعد التحلل، والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة: الرمي، والحلق، والطواف. فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب.
وقال الشنقيطي في دلالة الحديث على المسألة:" وقد دل النص الصحيح على حصول التحلل الأول بعد الرمي والحلق … إلى أن قال: والتحقيق أن الطيب يحل له بالتحلل الأول؛ لحديث عائشة المتفق عليه، الذي هو صريح بذلك.
قلت: ومما يوضح دلالة الحديث على أن التحلل الأول حصل بالرمي والحلق معاً وجوه:
الأول: أن أعمال الحج التي فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر في حجته تلك أنه رمى جمرة العقبة، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف بالبيت، كما ثبت ذلك عنه -عليه السلام- من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، ولفظه (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى، ونحر، ثم قال للحلاق: " خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس).
وفي رواية (لما رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة، ونحر نسكه، ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: " احلق " فحلق فأعطاه أبا طلحة، فقال: "اقسمه بين الناس) أخرجه مسلم.
وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها التصريح بأنها طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت، وتقييدها الإحلال بقبلية طواف الزيارة يدل على أن الرمي، والحلق، قد تحقق فعلهما قبل الطواف، وأن الحل حصل بهما.