وروى البيهقي في "سننه" (٢/٢٧١) عن علي بن المديني أنه قال: «قلت لسفيان: إنهم يختلفون فيه! بعضهم يقول: أبو عمرو بن محمد، وبعضهم يقول: أبو محمد بن عمرو! فتفكر ساعة، ثم قال: ما أحفظه إلا أبا محمد بن عمرو. قلت لسفيان: فابن جريج يقول: أبو عمرو بن محمد؟ فسكت سفيان ساعة، ثم قال: أبو محمد ابن عمرو، أو أبو عمرو بن محمد. ثم قال سفيان: كنت أراه أخًا لعمرو بن حريث. وقال مرَّة: العذري» . ثم قال البيهقي: «واحتجَّ الشافعي _ح بهذا الحديث في القديم، ثم توقف فيه في الجديد، فقال في كتاب البويطى: ولا يخط المصلي بين يديه خطًّا، إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت، فليُتَّبع، وكأنه عثر على ما نقلناه من الاختلاف في إسناده، ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق» . اهـ. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (٤/١٩٨-٢٠٠) : «واختلفوا فيما يعرض ولا يُنصب، وفي الخطِّ: فكل من ذكرنا قوله أنه لا يجزئ عنده أقل من عظم الذراع، أو أقل من ذراع، لا يجيز الخطَّ، ولا أن يعرض العصا والعود في الأرض فيصلي إليها، وهم: مالك، والليث، وأبو حنيفة وأصحابه، كلهم يقول: الخط ليس بشيء، وهو باطل، ولا يجوز عند واحد منهم إلا ما ذكرنا، وهو قول إبراهيم النخعي. وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور: إذا لم يجعل تلقاء وجهه شيئًا، ولم يجد عصًا ينصبها فليخطَّ خطًّا، وكذلك قال الشافعي بالعراق. وقال الأوزاعي: إذا لم يكن ينتصب له؛ عرضَه بين يديه، وصلى إليه، فإن لم يجد خطَّ خطًّا، وهو قول سعيد بين جبير. قال الأوزاعي: والسوط يعرضه أحب إلي من الخط. وقال الشافعي بمصر: لا يخط الرجل بين يديه خطًّا، إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتَّبع» . ثم أخرج ابن عبد البر الحديث، ثم قال: «وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ومن قال بقوله حديث صحيح، وإليه ذهبوا، ورأيت أن علي بن المديني كان يصحِّح هذا الحديث ويحتج به. وقال أبو جعفر الطحاوي- إذ ذكر هذا الحديث -: أبو عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُرَيْثٍ هذا مجهول، وجدُّه أيضًا مجهول، ليس لهما ذكر في غير هذا الحديث، ولا يحتج بمثل هذا من الحديث» . اهـ. وحكى ابن رجب في "فتح الباري" (٢/٦٣٦) عن الإمام مالك أنه قال: «الخطُّ باطل» ، ثم ذكر نقل ابن عبد البر عن الإمام أحمد أنه صححه، ثم قال متعقبًا: وأحمد لم يُعرَف عنه التصريح بصحته، وإنما مذهبه العمل بالخطِّ، وقد يكون اعتمد على الآثار الموقوفة، لا على الحديث المرفوع؛ فإنه قال في رواية ابن القاسم: الحديث في الخطِّ ضعيف» ، ثم عرض ابن رجب الاختلاف على إسماعيل بن أمية، ونقل عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قال: «الصَّحِيحُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ جده حريث، وهو أبو أمية، وهو من عُذرَة. قال: ومن قال فيه: عمرو بن حريث فقد أخطأ» . اهـ. وقد مثَّل ابنُ الصلاح والعراقيُّ للحديث المضطرب بهذا الحديث، ونازعهما في ذلك ابن حجر بأن الطرق قابلةٌ لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها. انظر "التقييد والإيضاح" (ص ١٢٤-١٢٥) ، و"النكت على ابن الصلاح" (٢/٧٧٢-٧٧٣) .