للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «الفوائد»: أنّ المراد بالسّعي المذكور عند بعضهم نفس الفعل لا الفعل بوصف الإسراع، كما في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} (١)، والفعل بوصف الإسراع غير مراد به (٢)، ولا يلزم أبا حنيفة -رحمه الله- ما قالا، وهو أن نقض الظهر إنما ثبت في ضمن أداء الجمعة؛ لأن نقض العبادات قصدًا حرام، أمّا إذا لم يؤدّ لا ينتقض، كما لو كان جالسًا في المسجد الجامع يسمع الخطبة فقام، وصلّى الظهر قبل فراغ الإمام من الخطبة، ولم يتابع الإمام في الجمعة جاز ظهره، ولا ينتقض؛ لأنا نقول: إنّما لم ينتقض؛ لأنه لم يوجد السّعي. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان (٣).

ولا يرد على أصل أبي حنيفة مسألة القارن، وهي أنّ القارن إذا وقف بعرفات قبل أن يطوف لعمرته يصير رافضًا لها، ولو سعى إلى عرفات لا يصير به رافضًا لعمرته؛ لأن في ذلك قياسًا، واستحسانًا، والقياس: أن يرتفض عمرته بمجرّد السعي إلى عرفات كالسّعي إلى الجمعة على أصله، وفي الاستحسان: لا يرتفض؛ لأن السعي هناك منهيّ عنه قبل طواف العمرة، وضعُف في نفسه، وهاهنا السعي مأمور فكان قويًا في نفسه. كذا في «المبسوط» (٤).

[١٤٦/ أ] فيؤثر في إبطال ما صلّى من الظهر؛ لقيامه مقام الجمعة بسبب أنّه من خصائصها كالعدّة لما كانت من خصائص النكاح اعتبرت بالنكاح في منع التزوج، فلما قام السّعي مقام الجمعة اعتبر فيه صفة/ الجمعة لا صفة نفسه كالتراب لما قام مقام الماء اعتبر فيه صفة الماء لا صفة نفسه، فبهذا خرج الجواب عن قول من قال: الظهر قوي، والسعي ضعيف لما أنّ الظهر حسن لمعنًى في عينه، والسّعي حسن لمعنى في غيره، فلا ينقض الضعيف القوي، ولكن لما قام مقام القوي صار هو قويًّا في نفسه، ولا يقال: السعي الموصل إلى الجمعة مأمور به، والسّعي الذي لا يدرك به الجمعة عن فضل، فيجب أن لا يبطل به الظهر؛ لأنا نقول: الحكم دار مع الإمكان؛ لكون الإمام في الجمعة، والإدراك ممكن في الجملة بإقدار الله تعالى إياه بالإدراك (٥).

(ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة [يوم الجمعة] (٦) (٧) وهذا عندنا، وقال الشافعي -رحمه الله-: لا يكره لهم ذلك، بل هو أفضل كما في سائر الأيّام، ولكنّهم يحفونها حتّى إن من رآهم لا يظن أنهم رغبوا عن الإمام، وعلى هذا الاختلاف المسافرون في المصر، وأهل السجن، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٨).


(١) سورة النجم الآية: (٣٩).
(٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ١٧/ ١١٥.
(٣) ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص ١١١.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٥٩.
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦٥.
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٣.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٣٨.