للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها توطين النفس على فراق الأهل والولد إذ لابدّ من مفارقتهم، فلو فارقهم فجأة (١) بالكلية يلزم الباقين منه أمر عظيم عند صدمة الفراق.

[من فوائد الحج ترك الشح]

ومنها نزع مادة الشحّ (٢) عن صدره، فإن الشحيح هو الذي يشح على نفسه أولاً، فإذا خرج إلى هذا السفر لا يمكنه أن يبخل على نفسه لخوف التلف، فيعتاد الجود على نفسه، فيتعدّى عادته حينئذٍ منه إلى غيره، فينال محمدة (٣) الأسخياء.

ومن فوائد الحج التوكل على الله

ومنها: اعتياد التوكل؛ إذ لا يمكنه أن يحمل مع (٤) نفسه جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من التوكل في نفسه، وفيما في يده؛ لأن المسافر على قَلَتٍ (٥) إلا ما وقى (٦) الله تعالى، وكذلك فيما لم يحمل مع نفسه؛ لأنه لا محافظة بنفسه لمفارقته، فلا بد من التوكل فيه، ثُمَّ يتعدى عادة توكله منه إلى غيره، فينال درجة المتوكلين وفوائد أُخر.

ثُمَّ يحتاج هاهنا إلى بيان تفسير الحجّ لغةً، وشرعاً، وبيان صفته، وسببه، وشرطه، وركنه، وواجباته، [وسننه، ومحظوراته] (٧).

[تعريف الحج لغة]

أما تفسيره لغة: فهو عبارة عن القصد، ومنه قول المُخَبَّل السعدي (٨):


(١) فَجَأَه فجَاءَة بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وفَاجَأَه مُفَاجَأَة إِذَا جَاءَهُ بَغْتَة مِنْ غَيْرِ تَقَدُّم سَبَبٍ.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٣/ ٤١٢).
(٢) الشُّحُّ: أشدُّ البُخْل، وَهُوَ أبلَغُ فِي الْمَنْعِ مِنَ البُخل. وَقِيلَ هُوَ البخلُ مَعَ الحِرْص. وَقِيلَ البُخل فِي أفْرَاد الْأُمُورِ وَآحَادِهَا، والشُّحُّ عامٌّ.
انظر: النهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٤٨).
(٣) محمدة: ويقصد بها محمودة وهي صفة وسجية الكرماء،
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (٨/ ٢٤٣).
(٤) في (ب، ج): على.
(٥) القَلَتُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْهَلَاكُ؛ قَلِتَ، بِالْكَسْرِ، يَقْلَتُ قَلَتاً، وأَقْلَتَهُ اللهُ. وَتَقُولُ: مَا انْفَلَتُوا، وَلَكِنْ قَلَتُوا. وَقَالَ أَعرابيٌّ: إِن الْمُسَافِرَ ومَتاعَه لَعَلى قَلَتٍ، إِلَّا مَا وَقَى اللهُ. وأَقْلَتَه فلانٌ: أَهْلَكه. ابْنُ سِيدَهْ: أَقْلَتَ فلانٌ فُلَانًا: عَرَّضَه للهَلَكة. والمَقْلَتة: المَهْلَكة، والمكانُ المَخُوفُ.
انظر: لسان العرب (٢/ ٧٢).
(٦) وقى: أي وقاه منعه الله وحفظه.
انظر: لسان العرب، مادة وقي، (١٢/ ٤٥٣)
(٧) أثبته من (ج).
(٨) المخبل السعدي ربيع بن مالك بن ربيعة بن عوف السعدي، أبو يزيد، من بني أنف الناقة، من تميم: شاعر فحل، من مخضرمي الجاهلية والإسلام. هاجر إلى البصرة، وعمر طويلا، ومات في خلافة عمر أو عثُمَّان. قال الجمحي: له شعر كثير جيد، هجا به الزبرقان وغيره، وكان يمدح بني قريع ويذكر أيام بني سعد قبيلته.
انظر: (الإصابة في تمييز الصحابة: ٦/ ٤٧)، و (الأعلام للزركلي: ٣/ ١٥).