للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[متى يعتبر النصاب]]

وقال زُفَرُ -رحمه الله- (١): لا يلزمهُ الزَّكَاةَ إِلاَّ أنْ يكون النصابُ من أولِ الحولِ إلى آخره كاملاً؛ لأنَّ حَوَلَانَ الحولِ على المالِ شَرْطٌ لوجوبِ الزكاة، وكَلُّ جُزء من الحول بمعنى أولهِ وآخره، ألا ترى أنُه لو هلك جميعُ المالِ في خلالِ الحول يجُعلُ كهلاكهِ في أول الحول أو آخره، وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (٢) في السائمةِ كما قال زُفَرُ -رحمه الله-، وفي مال التجارة يقول: إنما يُعتبرُ كمالِ النِّصَاب في آخر الحولِ خاصةً لا في أوله، وقال: لأنّ النصابَ فيه يُعتبرُ منِ القيمة فيشقُّ على صاحب المال يقوّمُ] مالُه (٣) كلَّ يومٍ فلِدَفْعِ المشقةِ قلتُ: إنما يعتبرُ كمالُ النصابِ عند وجوبِ الزَّكَاة، وذلك في آخر الحولِ (٤).

وما احتجَّ به علماؤنا مذكورٌ في الْكِتَابِ (٥)، وهو ظاهر، فكان اعتبار الطرفين دونه ما بينهما بحسب تُعلُّقِ الحُكم، وعدمِ تعلّقهِ به مثلُ قولنا فيمن حَلَفَ بعتقِ عبدهِ إنْ دخلَ الدارَ أنهُ لابد من قيام الملُكِ عند اليمين، وعند الدُّخول وزواله فيما بين ذلك لا يُعتبر فقيراً؛ لأنّ الملُك شرطُ أنْ يصحَ عتقُ المملوكِ، والعتق يحُلِّهُ عند الشرطِ فشَرْطُ ملكهِ في الحالين، فكذا هنا، وكذلك نظير ما ذكرنا من الفرقِ بين الهلاك والنقصان عقدُ المضاربة (٦) يبقى على الألف ببقاء بعضها، حتى إذا ربح فيها يحصل جميع رأسِ المال أولاً بخلاف ما إذا مَلكَ؛ وهذا لأنَّ لبقاء الحولِ على المال لا بُدَّ من المالِ لشيءٍ حتى يبقى انعقادُ الحولِ عليه، فإذا هلكَ الكلُّ لا يتُصورُ بقاءُ الحولِ على الهالكِ؛ لأنهُ معدومُ إلى هذا أشار في "المَبْسُوط" (٧) و"الْأَسْرَارِ" (٨)، فإن قلْتَ: إنَّ في هلاكِ بعضِ النِّصَاب كان النقصانُ واردًا على نفسِ النصابَ، وفي جعل السائمةِ معلوفةً كان النقصانُ واردًا على وصف النصابِ ولا شكَّ أنَّ فواتَ الوصف أولى من فواتِ بعضِ الأصل، ومع ذلك أنَّ فواتَ الوصفِ قاطعٌ للحولِ بالاتفاق، وفواتَ بعضِ الأصل غيرُ قاطعٍ، فما وجهه؟


(١) هو: زُفَر بن الهذيل بن قيس من بلعنبر، كنيته أبو الهذيل الكوفي، وكان من أصحاب أبي حَنِيفَةَ، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، روى عنه شداد بن حكيم البلخي، وأهل الكوفة، وكان زُفَر متقنًا حافظًا قليل الخطأ، وكان أقيس أصحابه وأكثرهم رجوعا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة (١٥٨ هـ).
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (٦/ ٣٣٩)، الجواهر المضية (١/ ٢٤٣)، وفيات الأعيان (٢/ ٣١٧).
(٢) يُنْظَر: الأم (٢/ ١١).
(٣) في (ب): (ماله في كل يوم).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٣٠٩).
(٥) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٧).
(٦) المضاربة على وزن مفاعلة (مشتقة من الضرب في الأرض) وهو السير فيها، قال الله عز وجل: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} وعقد المضاربة في الإصطلاح إعارة المال إلى من يتصرف فيه ليكون الربح بينهما على ما شرطا يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (١٠/ ٤٢)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٧/ ٢٦٣).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٥٣).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٣/ ١١٣).