للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المبسوط»: وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول: إنَّما يصير هلاكه مضافاً إلى الحفر إذا هلك بسبب الوقوع فيجعل الحافر كالدَّافع له، فأمَّا إذا طرأ عليه بسبب آخر هو سبب لهلاكه كالجوع الذي هاج من طبعه أي (١) الغم الذي أثر في قلبه، فإنَّما يكون هلاكه مضافاً إلى هذا السَّبب ولا صنع للحافر فيه، لأنَّه لا سبب للغم سوى الوقوع، لأنَّ البئر تنبعث منها العفونة فلا يكون للغَمِّ سبب سوى الوقوع في البئر، وأمَّا الجوع فله سبب آخر وهو بُعد الطَّعام عنه واحتراق معدته حتى لم يبق فيها شيء من مواد الطَّعام لولاه لكان الطَّعام قريباً منه، والحافر متعدٍّ في ذلك السَّبب والحكم تارة يضاف إلى السَّبب بغير واسطة وتارة بالواسطة فكذلك يضاف إلى الشَّرط تارة بواسطة وتارة بغير واسطة (٢).

وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول: هب كان ما لحقه من الغم أو الجوع مضافاً إلى الحافر إلا أنَّ هذا لا يكفي لوجوب الضَّمان إذا لم يؤثر الوقوع فيه أثراً، كما لو حبس رجلاً في البئر حتَّى مات غمًّا فإنَّه لا ضمان عليه، فكذلك هذا بخلاف ما لو مات من الوقوع في البئر أو جرحه؛ لأنَّ أَثَرَ فعله وهو العمق أَثَّرَ في نفس الواقع بخلاف ما نحن فيه كذا في «المبسوط» و «الذَّخيرة» (٣).

(لأَنَّ الأَوَّلَ تَعَدٍّ وَهُوَ تَسْبِيْبٌ (٤) وهو بناء القنطرة ووضع الخشبة.

وإنَّما سمَّى بناء القنطرة تعدياً؛ لأنَّ الذي جعل القنطرة فوَّت حقاً على غيره، فإن التَّدبير في وضع القناطير على الأنهار العظام من حيث تعيين المكان والضيق والسَّعة للإمام، فكان جناية بهذا الاعتبار والجناية تَعدٍّ كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٥).

(وَالثَّانِي: تَعَدٍّ وَهُوَ مُبَاشَرَةٌ (٦) أي: المرور عليها.

[[الحافر والملقي]]

(كَمَا فِي الحَافِرِ مَعَ المُلْقِي (٧) أي: حيث قطع فعل الملقي بالإلقاء، فعلى الحافر من الحفر في قارعة الطَّريق، حتَّى وجب الضَّمان على الملقي لا على الحافر؛ لأنَّ الإلقاء فعل مختار تخلل بين حفر الحافر وبين وقوع الواقع فيما حفر (٨).


(١) كذا في (أ)، وفي المبسوط (أو)، ولعل ما في المبسوط هو الصواب.
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ١٥).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ١٥)، الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٣)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٣٨).
(٤) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٤).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (٤/ ٥٨٨)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٤٠).
(٦) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٤).
(٧) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٤).
(٨) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١١/ ٦٨)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٣٩).