للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا تعزير عليه، وإنْ كان أحدهما كاذباً لا محالة؛ لأنَّه لا يعرف الصَّادق من الكاذب، ولا تجوز العقوبة مع الاحتمال، والله أعلم بالصواب (١).

* * *

[باب] (٢) الرجوع عن الشَّهادة.

تناسب الكتابين ظاهر؛ إذ الرجوع عن الشَّهادة يقتضي سبق الشَّهادة لا محالة، ولهذا الكتاب مناسبة خاصة بشهادة الزُّور؛ إذ الرجوع من الشَّهادة من أسباب شهادة الزُّور (٣).

«اعلم أن أداء الشَّهادة للحق مأمور به شرعاً، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (٤)، والأمر للوجوب، وقال [تعالى] (٥): {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (٦)، واستحقاق الوعيد بترك الواجب، وقال - صلى الله عليه وسلم - «كاتم الشَّهادة بالحق كشاهد الزُّور» (٧) [وشهادة] (٨) الزُّور من الكبائر (٩).

وفي حديث سعيد بن المسيب، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- (١٠) قال: «الشَّاهد بالزُّور لا يرفع قدميه من مكانهما حتى تلعنه ملائكة السماوات والأرض» (١١).

فيحق على كل مسلم الاجتناب عنها بجهده، والتَّوبة عنها متى وقع فيها خطأ أو عمداً، وذلك بأن يرجع عن الشَّهادة في مجلس القضاء.


(١) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٤٥٧).
(٢) في «س»: [كتاب].
(٣) ينظر: حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (٤/ ٣٤٢) ..
(٤) سورة الطلاق: آية ٢.
(٥) سقط من: «ج».
(٦) سورة البقرة: آية ٢٨٣.
(٧) لم أقف عليه مرفوعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا اللفظ، وقريب منه من كلام عائشة، ما روي عن أبي سعيد الرقاشي، قال: دخلت على عائشة، فقالت: ما بال أبي الحسن يقتل أصحابه القراء؟ قال: قلت: يا أم المؤمنين إنا وجدنا في القتلى ذا الثدية، قال: فشهقت، أو تنفست، ثم قالت: كاتم الشهادة مع شاهد الزور، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يقتل هذه العصابة خير أمتي».
أخرجه: ابن أبي عاصم في كتاب السنة (٢/ ٥٩٩)، رقم (١٣٢٧)، والطبراني في المعجم الأوسط (٧/ ٢١٠)، رقم (٧٢٩٥).
(٨) في «ج»: [بشهادة].
(٩) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٧٧).
(١٠) في «س»: [عليه السلام].
(١١) لم أقف عليه. وقريب منه حديث منكر ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (٣/ ٤١٧): «إن الطير لتضرب بمناقيرها على الأرض وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة، وما يتكلم شاهد الزور ولا تفارق قدماه على الأرض حتى يقذف به إلى النار».