للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٤٥/ ب] ولو صلّى الظهر في منزله، ثم/ توجه إليها، ولم يؤدّها الإمام بعد إلا أنّه لا يرجوا إدراكها لبعد المسافة لم يبطل ظهره في قول أبي حنيفة -رحمه الله- عند العراقيين، وبطل في قول البلخيين، وهو الصحيح؛ لأنه توجّه إليها، وهي لم تفت بعد، فإن توجّه إليها فلم يُصل الإمام بعذر أو لغير عذر اختلفوا في بطلان ظهره، والصحيح: أنه لا يبطل، واختلفوا فيما إذا توجّه إليها، والإمام والناس فيها إلا أنّهم خرجوا قبل إتمامها لبناء نية الصحيح أنّه لا يبطل ظهره، وعن الحلواني (١): لو لم يخرج من البيت، ولكن أرادها قبل إذا كان البيت واسعًا فما لم يجاوز العتبة لا تبطل، وقيل: إذا خطى خطوتين تبطل. كذا ذكره الإمام التمرتاشي (٢).

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» بعدما ذكر مسألة المريض إذا وجد حقه بعدما صلّى الظهر في بيته، ثم راح إلى الجمعة فصلّى الجمعة انتقض ظهره، وانقلب نفلًا خلافًا لزفر، والشافعي، فقال: (هذا الذي ذكرنا إذ أدرك مع الإمام)، فأمّا إذا لم يدرك الجمعة، فهذا على وجهين: إما أن يكون الإمام في الصلاة حين خرج من منزله، أو لم يكن في الصلاة حين خرج، فإن لم يكن فلا ينتقض ظهره عندهم (٣) جميعًا، وأمّا إذاكان الإمام في الصلاة حين خرج من منزله فراح إلى الجمعة، فوجد الإمام فرغ منها، فعلى قول أبي حينفة يرتفض ظهره، وعلى قولهما لا يرتفض (٤).

قوله: (وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام) (٥)، وفي هذا اللفظ إشارة إلى أنّ الإتمام مع الإمام ليس بشرط لارتفاض الظهر عندهما حيث ذكر الدخول في صلاة الإمام، وهو شروعه فيها، فكان هذا مخالفًا لما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- في مبسوطه، فإنه يشترط الإتمام في حق الارتفاض، فقال: وعلى قولهما لا يرتفض ما لم يؤدّ الجمعة كلّها حتى إنّه إذا شرع في الجمعة مع الإمام، ثم أنّه إن تكلّم قبل أن يتم الجمعة مع الإمام، فإنّ الظهر يرتفض عند أبي حنيفة، وعندهما لا يرتفض، هكذا ذكره الحسن في كتاب صلاته (٦).

(وله أنّ السعي إلى الجمعة من خصائص الجمعة) (٧) فوجه كونه من خصائص الجمعة ما ذكر في «الأسرار» (٨)، وهو: أنّ صلاة الجمعة صلاة خصّت بمكان، ولا يمكن الإقامة إلا بالسّعي [إليها، فصار السّعي] (٩) مخصوصًا به دون سائر الصلوات، فإنّه يصح أداؤها في كلّ مكان كالسّفر في باب الحج شرط مخصوص؛ لتعلّقه بمكان خاص، فصارت الاستطاعة من حيث الزاد، والرّاحلة أمرًا مراعي (١٠) لوجوب الحج، وإن أمكن الأداء في الجملة بلا سفر، وكذا السّعي مع الجمعة، وإذا صار من خصائص الجمعة [شرعًا] (١١) أشبه الاشتغال بها الاشتغال بركن منها، فإن أركان العبادة لا تقع إلا مختصّة بها، هذا هو الصحيح في بيان الاختصاص المأمور به في قوله: {فَاسْعَوْا} (١٢) إلا أن يكون المراد به الإسراع، والعدو فأنهى الإسراع في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتيتم إلى الصلاة، فأتوها وأنتم [تمشون، ولا تأتوها وأنتم] (١٣) تسعون، ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا» (١٤) عام في كل الصلاة (١٥).


(١) سبق ترجمته (ص ٥٧).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦٣.
(٣) في (ب): "في قولهم".
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦٤، الفتاوى الهندية: ١/ ١٤٩.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٣.
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦٤، ٦٥، بدائع الصنائع: ١/ ٢٥٨.
(٧) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٣.
(٨) ينظر: كشف الأسرار: ١/ ٢٧٩.
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) في (ب): "يراعى".
(١١) [ساقط] من (ب).
(١٢) قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن: ١٨/ ١٠٢، ١٠٣): اختلف في معنى السعي ها هنا على ثلاثة أقوال: أولها: القصد. قال الحسن: والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية. الثاني: أنه العمل، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، وقوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، وهذا قول الجمهور. الثالث: أن المراد به السعي على الأقدام. وذلك فضل وليس بشرط. ففي البخاري: "من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار". ويحتمل ظاهره رابعًا: وهو الجري والاشتداد. قال ابن العربي: وهو الذي أنكره الصحابة الأعلمون والفقهاء الأقدمون. وقرأها عمر: "فامضوا إلى ذكر الله" فرارًا عن طريق الجري والاشتداد الذي يدل على الظاهر.
(١٣) [ساقط] من (ب).
(١٤) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٧)، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة، رقم (٩٠٨). ومسلم في «صحيحه» (١/ ٤٢٠)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم (٦٠٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٥) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦٤.