للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي: لا يجزئه الظهر إلا بعد خروج الوقت؛ لأن من أصل زفر، والشافعي أنّ الفرض في حقّه الجمعة، والظهر بدل، فإنّه مأمور بالسّعي إلى الجمعة، وترك الاشتغال بالظهر ما لم يتحقّق فوت الجمعة، وهذا صورة الأصل، والبدل إلا أنّ عند زفر فوات الأصل بفراغ الإمام؛ لأنه يشترط السلطان لإقامة الجمعة، وعند الشافعي فوات الأصل بخروج الوقت؛ لأن السلطان عنده ليس بشرط لإقامة الجمعة، فأمّا عندنا فأصل فرض الوقت الظهر قال -صلى الله عليه وسلم-: «وأوّل وقت الظهر حين تزول الشمس» (١)، ولم يفصل بين هذا اليوم وغيره، ولأنّه ينوي القضاء في الظهر إذا أدّاه بعد خروج الوقت، فلو لم يكن أصل فرض الوقت في حقه الظهر لما احتاج إلى نية القضاء بعد فوات الوقت، فإذا ثبت أنّ أصل الفرض هو الظهر، وقد أدّاه في وقته، فيجزئ عنه.

وقد روي عن محمد قال: لا أدري ما أصل فرض الوقت في هذا اليوم، ولكن يسقط الفرض عنه بأداء الظهر، أو الجمعة يريد به أنّ أصل الفرض أحدهما لا بعينه، ويتعيّن بفعله (٢).

وأمّا المسألة الثالثة: وهي أنّ المعذور كالمريض، والمسافر، والعبد إذا صلّى الظهر في منزله، ثم صلّى الجمعة مع الإمام فالجمعة هي الفريضة عندنا، وانقلب ظهره نفلًا، وقال زفر، والشافعي رحمهما الله: ففرضه الظهر، وانقلب ما أدّى من الجمعة نفلًا، وفائدة هذا إنّما يظهر فيما إذا شرع مع الإمام، فقبل أن يتم الإمام الجمعة خرج وقت الظهر، ولم يُصلّ مع الإمام فعلى قولنا: يلزمه إعادة الظهر، وعلى قول زفر، والشافعي -رحمهما الله-: لا ينتقض ظهره.

وما قالاه قياسًا، وما قلناه استحسانًا، فقالا: إن هذا اليوم في حقه كسائر الأيام لو صلى الظهر في بيته، ثم أدرك الجماعة كان فرضه ما أدّى في بيته فكذلك هاهنا، ولكنّا نقول: الجمعة أقوى من الظهر، ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوي، وإنما فارق المريض الصحيح في الترخص بترك السعي إلى الجمعة، فإذا شهدها فهو، والصحيح سواء فيكون فرضه الجمعة. كذا في «المبسوطين» (٣).

(بطل ظهره عند أبي حنيفة -رحمه الله- بالسّعي، وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام) (٤)، وذكر الإمام التمرتاشي، وكذا الخلاف في المعذور لو صلى، ثم توجّه إليها، وكذا أيضًا في «المحيط» (٥).


(١) أخرجه البخاري في «صحيحه» (١/ ١٥٣)، كتاب الأذان، باب القراءة في الفجر، رقم (٧٧١). ومسلم في «صحيحه» (١/ ٤٤٧)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها، رقم (٦٤٧).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٥٩، تبيين الحقائق: ١/ ٢١٩، الجوهرة النيرة: ١/ ٩١.
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٥٨.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٣.
(٥) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٠.