للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأبي حنيفة -رحمه الله-: أنّ الجماعة [شرط] (١) في ركعة؛ لأن ما دون الركعة معتبرة من وجه حتّى إذا تحرّم، ثم قطع يلزمه القضاء، وغير معتبرة من وجه، فإنّه إذا أدرك الإمام في السجود لا يصير مدركًا للركعة، وصلاة الجمعة تغيّرت من الظهر إلى الجمعة، فلا يتغيّر إلا بيقين، ولا يقين إلا وأن يوجد ركعة؛ وذلك لأن الجماعة شرط صلاة الجمعة، ولا يصير مصليًا ما لم يقيّد الركعة بالسجدة؛ لأنه إذا لم يقيّد الرّكعة بالسجدة، فهو مفتتح لكل ركن، فكان ذهاب الجماعة قبل تقييدها كذهابهم قبل التكبير [حينئذٍ] (٢) بخلاف ما بعد تقييد الركعة بالسجدة، فإنه مُعيد للأركان لا مفتتح، وليس المقتدي كالإمام في حق اشتراط الجماعة [لما أن] (٣) الإمام أصل في افتتاح الأركان، فلابدّ من وجود شرط الجماعة عند افتتاح كل ركن في حقه. كذا في «المبسوط (٤)» (٥)، وغيرهما (٦).

(ولا معتبر ببقاء النسوان) (٧)، بخلاف بقاء المسافرين، وأصحاب الأعذار، ومن لم يشهد الخطبة (٨).

وفي «التجنيس»: الإمام إذا خطب يوم الجمعة، وفرغ منها فذهب القوم كلّهم، وجاء قوم آخرون لم يشهدوا الخطبة فصلّى بهم الجمعة أجزاه؛ لأنه خطب والقوم حضور، وصلّى والقوم حضور، فتحقق شرط جواز الجمعة، فإن حضروا وصلّوا مع النّاس أجزاهم عن فرض الوقت (٩).

هاهنا مسائل:

إحديها: هذه، ولم يذكر هاهنا خلاف أحد.

والثانية: إذا صلّى غير المعذور الظهر في منزله قبل الجمعة هل يعتد به عن الفرض أم لا؟

والثالثة: إذا صلّى المعذور الظهر في منزله، ثم حضر الجمعة هل ينتقض ظهره أم لا؟

والرابعة: [إذا صلى غير المعذور، والظهر في منزلة] (١٠) إمامة المعذور الجمعة هل تصحّ أم لا؟.

ففي هذه الثلاث خلاف بيننا وبين زفر والشافعي.

أمّا المسألة الأولى: فهي ما إذا صلّى المعذورون الجمعة هل تسقط عنهم فرض الوقت؟

ذكر في «المبسوط» (١١): مطلقًا أنّهم إذا شهدوا الجمعة فأدوها جازت؛ لحديث الحسن -رحمه الله- (١٢): كنّ –النساء- يجمعن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقال لهن: «لا تخرجن إلا تفلات» (١٣)، أي: غير مطيبات، ولأن سقوط [فرض] (١٤) السعي عنهم لا بمعنى في الصلاة، بل للحرج، والضرر، فإذا تحمّلوا التحقوا في الأداء بغيرهم.


(١) [ساقط] من (ب).
(٢) [ساقط] من (أ).
(٣) في (ب): "لأن".
(٤) في (ب): "المبسوطين".
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٦١.
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦١.
(٧) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٣.
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦٢.
(٩) ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: ١/ ١٣٨.
(١٠) [ساقط] من (ب).
(١١) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٣٩.
(١٢) الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري، واسم أبيه يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وكان من سبي ميسان، واسم أمه خيرة مولاة أم سلمة، ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر وكان يوم الدار بن أربع عشرة سنة، واحتلم سنة سبع وثلاثين وخرج من المدينة ليالي صفين ولم يلق عليًّا، وقد أدرك بعض صفين ورأى عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شافه بدريًّا قط إلا عثمان، وعثمان لم يشهد بدرًا. مات في شهر رجب سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين سنة، وصلى عليه النضر بن عمرو المقرئ من حمير من أهل الشام، وكان الحسن من أفصح أهل البصرة لسانًا، وأجملهم وجهًا، وأعبدهم عبادة، وأحسنهم عشرة، وأنقاهم بدنا رحمة الله عليه. ينظر: ثقات ابن حبان: ٤/ ١٢٢، التاريخ الكبير: ٢/ ٢٨٩، الجرح والتعديل: ٣/ ٤٠.
(١٣) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١/ ٤٤٦ - رقم ٥١٥٧). وله شاهد من رواية أبي داود في «سننه» (١/ ٢٢٢)، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، رقم (٥٦٥)، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات». وقال الألباني في (صحيح أبي داود: ٣/ ١٠١): حسن صحيح.
(١٤) [ساقط] من (ب).