للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولفظ "التوارث" إنما يستعمل في أمر له خطر، وشرف، يقال: توارثوا المجد كابرًا عن كابر، أي: كبيرًا في العزّ، والشرف، وقيل: هو حكاية العدل عن العدل؛ لأن القيام فيهما متوارث؛ لما روي أنّ ابن مسعود لما سئل عن هذا؟ فقال: «ألست تتلو قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (١) كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائمًا حين انفض عنه الناس بدخول العير المدينة» (٢)، وهكذا جرى التوارث، والذي رُوي عن عثمان: - رضي الله عنه - «أنّه كان يخطب قاعدًا» (٣) إنّما فعل ذلك لمرض أو كبر في آخر عمره. كذا في «المبسوط» (٤).

(فيستحبّ فيها الطّهارة كالأذان) (٥) أي: الطهارة عن الجنابة، والحدث، ثم وجه التشبيه بالأذان هو أنّ الخطبة ذكر لها شبه بالصلاة من حيث إنها أقيمت مقام شطر الصلاة، ويُقام بعد دخول الوقت، والأذان أيضًا ذكر له شبه بالصلاة من حيث إنه دعا لها، ويقام بعد دخول الوقت، ولا يقال: ليس بينهما مشابهة، بل بينهما مخالفة، فإن أذان الجنب يستحبّ فيه الإعادة ظاهرًا، ولم يذكر إعادة خطبة الجنب هاهنا؛ لأنّا نقول لا فرق بينهما في الحقيقة غير أنّ الأذان لا يتعلق به حكم الجواز، فذكر استحباب الإعادة، والخطبة يتعلّق بها حكم الجواز، فذكر الجواز هاهنا، واستحباب الإعادة هاهنا، كهو في الأذان (٦). كذا في «المبسوط» (٧).

وذكر شيخ الإسلام في «المبسوط» فقال: ثم لم يذكر في الكتاب أنّه هل يعيد الخطبة أو (٨) لا؟.

وذكر في «نوادر أبي يوسف»: أنه يعيدها، وإن لم يعدها جاز؛ لأنه ليس من شرط استقبال القبلة، بخلاف الأذان فإنّه يعيد؛ لأن الأذان أشبه بالصلاة من الخطبة (٩).

ألا ترى أنّ الأذان شرع مستقبل القبلة بخلاف الخطبة، ولكنه يكون مسيئًا إذا تعمّد ذلك؛ لأنها بشبه الصلاة، ولأنّ فيه دخول المسجد جنبًا، وهو مكروه، ولو خطب قاعدًا، وعلى غير طهارة جاز لحصول المقصود، وهو الذكر، والوعظ.


(١) سورة الجمعة من الآية: (١١).
(٢) أخرجه ابن ماجه في «سننه» (١/ ٣٥٢)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، رقم (١١٠٨). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: ٣/ ١٠٨): صحيح.
(٣) روي بغير هذا اللفظ، والذي رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٩/ ٣٢٤ – رقم ١٦٤٠٨) من حديث موسى بن طلحة: «شهدت عثمان يخطب على المنبر قائمًا وشهدت معاوية يخطب قاعدًا».
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٤٦.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٢.
(٦) في (ب) الإعادة.
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٤٧.
(٨) في (ب): "أم".
(٩) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٧٣.