للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٤٣/ ب] فإن قلت:/ هذا لا يدل على أنها شرط الجواز، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما لم يُصل الجمعة بدون الخطبة كذلك لم يُصل صلاة أيضًا بدون رعاية سننها كرفع اليد عند التحريمة، والتكبير عند كل خفض، ورفع، وغيرهما حيث لم ينقل أحدًا أنه -صلى الله عليه وسلم- ما رفع اليد عند التحريمة، ولا ترك التكبير عند الخفض، والرفع، ولم يدل ذلك على أنّها شرط الجواز فكذا هنا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كما كان يواظب على الفرائض، فكذلك يواظب على الواجبات، والسنن.

قلت: بينهما فرق؛ وذلك لأن سقوط الظهر بالجمعة مع أنّ الظهر أربع ركعات، والجمعة ركعتان عرف، بخلاف القياس شرعًا، وفي مثله يراعي ما ورد به النصّ، والشرع ما أقام الجمعة مُقام الظهر إلا بهذه الشرائط، فلا تصير مثلًا لها إلا بهذه الشرائط، ولو جاز لفعلها مرّةً بغير الخطبة تعليمًا للجواز لإزالة الشبهة، وأمّا الرّفع عند التحريمة، فلإعلام الأصم بالشروع، فإنّ غالب أحواله - صلى الله عليه وسلم - كان على الإمامة، وكذلك التكبير عند كل خفض، ورفع لإعلام الانتقال من ركن إلى ركن، وما كانت شرعيته لإعلام غيره لا يكون شرط الجواز في نفسه كالأذان، وجهر التكبيرات، ولأن المراد من الذكر في قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (١) إنما هو الخطبة، وقد فرض السعي إلى الجمعة، والذكر (٢)، فدلّ على أنه لابدّ منها. كذا ذكره شيخ الإسلام (٣).

(ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة) (٤) هذه القعدة عندنا للاستراحة، وليست بشرط، وقال الشافعي -رحمه الله-: إنها شرط حتى لا يكتفي عنده بالخطبة الواحدة، وإن طالت، ولنا حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - (٥): «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائمًا خطبة واحدة، فلما أسن جعلها خطبتين يجلس بينهما جلسة» (٦)، ففي هذا دليل على أنّه يجوز الاكتفاء بالخطبة الواحدة، وعلى أنّ الجلسة بينهما للاستراحة لا للشرط خلافًا للشافعي -رحمه الله-. كذا في «المبسوط» (٧).


(١) سورة الجمعة من الآية: (٩).
(٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ١٨/ ١٠١.
(٣) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٦٢، ١٦٧.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ٢/ ٨٢.
(٥) جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن رئاب العامري السوائي حليف بني زهرة، له ولأبيه صحبة رضي الله عنهما، توفي في ولاية بشر على العراق سنة أربع وسبعين. روى له البخاري ومسلم وغيرهما ١٤٦ حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٥٢، الإصابة في تمييز الصحابة: ١/ ٤٣١، تهذيب الكمال: ٤/ ٤٣٧.
(٦) أخرجه أحمد في «مسنده» (٥/ ٩١ - رقم ٢٠٨٧٨)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٤٦.