للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (ولا يبنيه عليها) (١)، أي: ولا يبني الظهر على الجمعة؛ لأنهما مختلفان بدليل تخيّر العبد إذا أذن له مولاه بأن يُصلي الجمعة بين أن يصلي الظهر، أو الجمعة مع تعيّن يُسر العلة في الجمعة، ولو لم يكونا مختلفين لما خيّر العبد كما في جناية المدبّر (٢) حيث يجب الأقل على مولاه من الأرش، ومن القيمة من غير اختيار لاتحادهما في المالية، وقد ذكرنا في باب صفة الصلاة أنّ الفرض لا يبنى على تحريمة فرض آخر على أصحّ الروايات (٣).

(ومنها الخطبة) (٤) أي: من الشرائط الخطبة، فإن قيل الخطبة ركن ليست بشرط؛ لأنها أقيمت مقام ركعتين، والركعتان من الظهر ركن لا شرط، فكذا ما قام مقامه، وفائدة هذا: أنها هل تتأدى بدون الطهارة أم لا؟ ولأنه لو كان شرطًا؛ لشرط قيامه [حال الأداء] (٥) كالطهارة، وستر العورة (٦).

ولا يشترط قراءة الخطبة حالة الأداء، قلنا: إن الخطبة شرط، وليست بركن؛ لأن صلاة الجمعة لا توجد بالخطبة، وإنما توجد بأركانها، والدليل على أنها ليست بركن أنّه لم يشترط لإقامتها سائر الشرائط، فإنّها تتأدى مستدبر القبلة، فدلّ أنها شرط كالطهارة، وستر العورة (٧).

وأمّا قوله: (لو كانت شرطًا؛ لكان يراعي قراءة الخطبة حالة الأداء) قلنا: الشرط كون الخطبة مؤدّاة بالقراءة لا القراءة حالة الأداء كما في الطّهارة الشرط حصول الطهارة لا فعل يحصل به الطهارة حالة الأداء، فكذا هذا هكذا (٨) السؤال والجواب، شيخ الإسلام -رحمه الله- (٩).

وفي «المبسوط» (١٠): وقال بعض مشايخنا: الخطبة تقوم مقام ركعتين، ولهذا لا يجوز إلا بعد دخول الوقت، والأصح: أنّها لا تقوم مقام شطر الصلاة، فإنّ الخطيب لا يستقبل القبلة عند أدائها، ولا يقطعها الكلام، ويعتدّ بها إن أدّاها، وهو محدث أو جنب، وبه (١١) يتبيّن ضعف قول من يقول: إنّها بمنزلة شطر الصلاة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما صلاها بدون الخطبة في عمره.


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ٢/ ٨٢.
(٢) التدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه، فهو مدبر. ينظر: الصِّحَاح؛ للجوهري ٢/ ٦٥٥.
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٦.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ٢/ ٨٢.
(٥) في (ب): "حالة أداء الصلاة".
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٧.
(٧) ينظر: المرجع السابق.
(٨) في (ب): "ذكر".
(٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٧.
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٤٢.
(١١) في (ب): "فيه".