للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إنما صرح باسمهما مع تقدم اسمهما مرة صريحًا ولم يكن ذلك من دأبه لدفع الاشتباه عن اسم أبي يوسف والشافعي رحمهما الله لأنه وقع هاهنا في كل طرف اثنان بحسب اتفاق الحال.

قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (١) فوجه التمسك بهذه الآية على أن العبد داخل في حكم هذه هو أن الله تعالى ذكر حكمين في هذه الآية الكفارة والدية بقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (٢)، فبالاتفاق أن العبد داخل في حق وجوب الكفارة مثل دخول الحر فيه فيجب أن يكون في حق الدية كذلك؛ فإن نفس العبد تضمن بالكفارة كنفس الحر فكذلك بالدية بمقابلة النفس مقدرة بالنص لا يجوز الزيادة عليها بالرأي ولا يجوز إسقاطها بالرأي.

ولأن فيه معنى الآدمية حتى كان مكلفًا، أي بالإيمان والشرائع التي تجب عليه مثل الصلاة والصوم وغيرهما من شرائع المعاملات والعقوبات (٣)، وفيه معنى المالية والآدمية أعلاهما، والدليل على أن صفة المالية في هذا المحل تابعة للنفس؛ لأن قوام المالية ببقاء النفسية؛ وهذا هو علامة التبع مع المتبوع، فلا يجوز إهدار الأصل بحال لمراعاة التبع؛ لأن في اعتبار الأصل اعتبار التبع، وليس في اعتبار التبع اعتبار الأصل.

فإذا جعلنا الضمان واجبًا باعتبار النفسية كنا قد اعتبرنا ما هو الأصل؛ وباعتباره يحصل اعتبار التبع فكان ذلك أولى من أن يجعل بمقابلة المالية ويهدر معنى النفسية.

والدليل على ما قلنا فصل القصاص؛ فإن القصاص يجب باعتبار معنى النفسية، ثم لا يجب على المولى إذا قتل عبده لأنه غير مفيد؛ لأن القصاص إنما يجب لمولاه استيفاء على سبيل الخلافة عنه، فلو [وجب] (٤) وجب له على نفسه؛ ومن قال القصاص واجب باعتبار المالية فهو لغو من الكلام؛ لأن المال لا يضمن بالقصاص بحال فكيف يضمن المال به، والمقصود بالمال التمول والادخار لوقت الحاجة، وليس في القصاص شيء من ذلك.

وبهذا يتبين ترجح معنى النفسية على معنى المالية؛ لأن المتلَف (٥) في حالة الخطأ ما هو المتلَف (٦) في حالة العمد؛ فلما (٧) جعل المضمون فيه (٨) في حالة العمد معنى النفسية فكذلك في حالة الخطأ؛ ومن قال يجمع بينهما فذلك فضل من الكلام؛ لأنه لو كان هنا طريق إلى الجمع بينهما لكان ينبغي أن يضمن الدية مع كمال القيمة أو يستوفي في حالة العمد القصاص باعتبار النفسية والقيمة باعتبار المالية وأحد لا يقول بذلك، فعرفنا أنه لا وجه للجمع بينهما لما بين الوصفين من المغايرة على سبيل المضادة.


(١) سورة النساء: ٩٢
(٢) سورة النساء: ٩٢
(٣) في (ج): والتقربات؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٥) في (ج): التلف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) أصوب.
(٦) في (ج): التلف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) وهو أصوب.
(٧) في (ب): فإنما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٨) في (أ) و (ب): منه؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.