للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأبو يوسف والشافعي رحمهما الله رجحا جانب المالية (١) فقالا لو جعلنا الواجب بمقابلة المال كان [فيه] (٢) تحقيق المماثلة؛ لأن المال وإن كثر لا يماثل النفس؛ واعتبار المماثلة في ضمان العدوان واجب، فلذلك وجبت قيمته بالغة ما بلغت كما في الغصب.

وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله رجحا جانب النفسية وقالا: النفس أعظم خطرًا من المال، فكان إلحاق الضمان بمقابلته أولى؛ ثم ضمان الحر لا يزاد على عشرة آلاف درهم فضمان العبد وهو دون الحر أَوْلى.

ثم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يكون ذلك على عاقلة القاتل؛ لأنه ضمان النفس.

وعلى قول أبي يوسف والشافعي رحمهما الله لا يكون على العاقلة لأنه ضمان المال؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان (٣) (٤): لهما أن الضمان بدل المالية ولهذا (٥) يجب للمولى؛ يعني لو كان بدل الدم لكان للعبد؛ إذ هو في حق الدم مبقى على أصل الحرية.

فإن قيل (٦) وجوب الدية للمولى لا يدل على كونه بدل المالية؛ ألا ترى أن القصاص يجب للمولى لو قتل عبده عمدًا، وهو ليس بمقابلة المالية بالاتفاق.

قلنا استيفاء القصاص يبتني على الولاية (٧)؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «السلطان ولي من لا ولي له» (٨) والمولى ولي العبد فيجب القصاص له؛ فأما استحقاق المال لا يبتني على الولاية بل على الإرث إذا وجد سببه ولا يجري الإرث بين المولى وعبده؛ فعلم أنه إنما يستحقه لجبران فوات ماله كما في سائر الأموال.


(١) ينظر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٥٧)، الهداية (٤/ ٤٩١)، تبيين الحقائق (٦/ ١٦١)، وينظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (٤/ ١٣٠).
(٢) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) هو الحسن بن منصور. سبق ترجمته ص ١٤٨.
(٤) ينظر: تبيين الحقائق (٦/ ١٦١)، العناية (١٠/ ٣٥٤)، البناية (١٣/ ٢٩٩).
(٥) في (أ): وهذا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٦) سبق ص ٨٧ حيث ذكر عناية الشارح بالاعتراضات ومناقشتها وردها ويكون ذلك بصيغة الافتراض.
(٧) الولاية: ابْنُ سِيدَهْ: وَليَ الشيءَ ووَليَ عَلَيْهِ وِلايةً ووَلايةً، وَقِيلَ: الوِلاية الخُطة كالإِمارة، والوَلايةُ الْمَصْدَرُ، ابْنُ السِّكِّيتِ: الوِلاية بِالْكَسْرِ السُّلْطَانُ، والوَلاية والوِلاية النُّصرة، يُقَالُ: هم عليَّ وَلايةٌ [وِلايةٌ] أَي مُجْتَمِعُونَ فِي النُّصرة، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الوَلاية بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، والوِلاية بِالْكَسْرِ الِاسْمُ مِثْلَ الإِمارة والنِّقابة. ينظر: الصحاح (٦/ ٢٥٣٠)، المغرب (٤٩٦)، لسان العرب (١٥/ ٤٠٧).
(٨) أخرجه أبو داود في (سننه) كتاب النكاح باب في الولي (٢/ ٢٢٩ رقم الحديث: ٢٠٨٣)، وابن ماجه في (سننه) كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي، (١/ ٦٠٥ رقم الحديث: ١٨٧٩)، والترمذي في (سننه) كتاب أبواب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (٣/ ٣٩٩ رقم الحديث: ١١٠٢)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وقال الألباني في (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل) (٦/ ٢٤٣): "صحيح".