للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ومن شهد لرجل أنَّه اشترى عبد فلان بألف، وشهد آخر أنَّه اشتراه بألف وخمسمائة فالشَّهادة باطلة» (١)؛ لأنَّهما لم يتفقا على عقدٍ واحد؛ لأنَّ الشِّراء بألف غير الشِّراء بألف وخمسمائة، وكذلك البيع والكتابة، وإذا اختلف الشَّاهدان على نحو ما بينا.

وذكر شيخ الإسلام علاء الدين السمرقندي (٢) - رحمه الله - في شرح الجامع في [آخر] (٣) الباب من الإقرار الذي يختلف فيه المنطق (٤).

قال السيد الإمام: إذا ادَّعى الشراء فشهد أحدهما بالشراء بألف، والآخر بالشراء بألف وخمسمائة [أنَّه] (٥) يقبل، ولو اختلف الجنس بأن شهد أحدهما بالشراء بألف درهم، والآخر بالشراء بمائة دينار لا يقبل؛ لأنَّ الشراء الواحد قد يكون بألف ثم يصير بألف وخمسمائة، بأن يشتري بألف ثم يزيد في الثمن خمسمائة، فقد اتفقا على الشراء الواحد، أمَّا الشراء الواحد فلا يكون شراءً بألف درهم ثم يصير شراءً بمائة دينار. كذا في الفوائد الظهيرية (٦).

«لأنَّ المقصود»: إثبات السبب، «وهو العقد» (٧)، فإن قيل: لا؛ بل المقصود الحكم، وهو الملك لا السَّبب، لما أن الأسباب لا تراعى بذاتها بل السبب وسيلة للمقصود، فكيف يكون إثبات سبب مقصوداً؟

قلنا: الحكم مقصود في حق العمل والانتفاع، حتى إذا ثبت الحكم لا يجب السؤال عن سببه، أنَّه بأيِّ سبب ثبت هذا الحكم؛ فإن الشَّهادة بالملك المطلق صحيح لما أنَّ المقصود لمباشر السبب حِل الانتفاع، فبعد ما حصل ذلك لا يبالي أنَّه بأيَِّ سببٍ حصل؛ ولكن لو ثبت الحكم لا يثبت إلا بسبب معين، وقد وقع الاختلاف بين الشَّاهدين في حق ذلك السبب المعين، فكان إثبات ذلك السبب المعين مقصوداً للمدَّعي والشَّاهدين حتى يثبت/ الحكم بناءً عليه، فكانت مقصودية السبب من حيث الأصالة؛ لأنَّ السبب هو الأصل، إذا الحكم في وجوده بناء عليه، فلا شَكَّ في أصالة المبني عليه للبناء.


(١) الهداية (٣/ ١٢٧).
(٢) هو أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بن إسحاق الإسبيجابي، السمرقندي، المعروف بشيخ الإسلام، من أهل سمرقند، من إسبيجاب-بلدة من ثغور الترك-، سكن سمرقند، وصار المفتي والمقدم بها، ولم يكن أحد بما وراء النهر يحفظ مذهب أبي حنيفة ويعرفه مثله، وظهر له الأصحاب والمختلفة، وعمر العمر الطويل في نشر العلم وتمييزه، له كتب منها: «الفتاوى»، «شرح مختصر الطحاوي»، توفي سنة ٥٣٥ هـ.
ينظر: المنتخب من معجم شيوخ السمعاني (١/ ١٢٤٩)، ديوان الإسلام (١/ ١١٠)، الأعلام للزركلي (٤/ ٣٢٩).
(٣) في «س»: [آخر من].
(٤) ينظر: الكفاية شرح الهداية (٣/ ٣٩٠ - ٣٩١).
(٥) سقط من «س».
(٦) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٤)، البناية شرج الهداية (٩/ ١٧٦)، درر الحكام (٢/ ٣٨٥).
(٧) الهداية (٣/ ١٢٧).