للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فماتت في يد المشتري، أي المسلم إليه، وإنما سماه مشترياً نظراً إلى اشتراه (١) الجارية بالحنطة التي هي دين، وكانت الجارية هي المبيع من كل وجه.

ولو تقايلا بعد هلاك الجارية جاز، والقول في القيمة قول المطلوب، والبينة بينة الطالب** وهو رب السلم، كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٢).

وفي السلم المعقود عليه إنما هو المسلم فيه؛ لأنه مبيع، لما روي عن النبي -عليه السلام-: «أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان» (٣)، «ورخص في السلم» (٤)، جعل المسلم فيه مبيعًا ورأس المال بمنزلة الثمن.

فصحت الإقالة في المسلم فيه، وإذا انفسخ في المسلم فيه ينفسخ في رأس المال ضرورة، فيجب عليه رد الجارية، وقد عجز عن ردها بحكم الهلاك مع قيام الموجب للرد فيعدم قيمتها، كذا ذكره الإمام قاضي خان (٥).

وإذا جاز ابتداءً أولى أن يبقى، أي وإذا جازت الإقالة بعد هلاك الجارية في المسألة الثانية فلأن يبقى الإقالة بعد هلاك الجارية في الأولى بالطريق الأولى.

فإن قيل: ينبغي أن لا يصح الإقالة بعد هلاك الجارية؛ لأن الجارية بعد الهلاك صارت بمنزلة المسلم فيه من حيث وجوب قيمتها دينًا في الذمة، والمسلم فيه أيضاً قد سقط بالإقالة، فصارا بمنزلة هلاك العوضين في بيع المقايضة، وذلك يمنع الإقالة هناك فكذا هنا، وذلك أنه إذا هلك أحد العوضين في المقايضة ثم تقايلا ثم هلك الآخر يبطل الإقالة.

قلنا: في المقايضة الرد واجب بعد الإقالة، وهلاك المبيع قبل القبض يوجب فسخ العقد، وفي السلم قامت قيمة الجارية مقام الجارية فلم يكن رد عين الجارية واجباً، فكان (٦) قيام القيمة بمنزلة قيام الجارية فصار بمنزلة بقاء أحد العوضين في بيع المقايضة، فهناك يصح الإقالة فيه فكذا هنا.

ومن أسلم إلى رجل دراهم في كر حنطة فقال المسلم إليه: شرطت ردياً إلى آخره.

الأصل فيه في هذه المسائل أيهما إذا اختلفا في الصحة، فإن خرج كلام أحدهما مخرج التعنت كان باطلاً، وكان القول قول من يدعي الصحة، وإن خرج مخرج الخصومة قال أبو حنيفة -رحمه الله-: القول قول من يدعي الصحة أيضاً إذا اتفقا على عقد واحد، وإن كان خصمه هو المنكر.

وقال أبو يوسف ومحمد: القول قول المنكر وإن أنكر الصحة.


(١) في (ت): اشترائه.
(٢) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٢٢).
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.
(٥) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٢١).
(٦) في (ت): وكان.