للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وللمعنت (١) لغة: من تبطلت العَنَت، وهو وقوع الإنسان فيما لا يستطيع الخروج عنه، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} (٢)، قال الزجاج [رحمه الله] (٣): أي لأهلككم، والإهلاك: إيقاع فيما لا يستطيع الخروج عنه.

والمراد بالتعنت شرعًا: من ينكر ما ينفعه، والمخاصم من ينكر ما بصره (٤)، كذا في الفوايد الظهيرية (٥).

فالقول قول المسلم إليه؛ لأنهما اتفقا على عقد واحد، واختلفا فيما لا يصح العقد بدونه، وهو بيان الوصف، فمن يدعيه يدعي صحة العقد، فكان الظاهر شاهدًا له؛ لأن الظاهر من حالهما مباشرة العقد بوصف الصحة دون الفساد، والقول قول من يشهد له الظاهر؛ لأنه أقرب إلى الصدق، كذا ذكره الإمام قاضي خان (٦).

لأن المسلم فيه يربو على رأس المال في العادة.

فإن قيل: لا نسلم، بل رأس المال جبر، وإن قل من المسلم فيه، وإن جل [لما أن] (٧) رأس المال نقد، والمسلم فيه نسيئة، وقد قيل عصفور في يدي جبر (٨) من تزكى في الهواء، وفي المثل] السائر: [النقد خير من النسيئة.

قلت (٩): نعم كذلك، إلا أن ذلك متروك هنا بالعرف والعادة، فإن الناس مع وفور عقلهم يعدمون في عقد السلم، وما ذلك (١٠) إلا لفائدة زائدة رأوها فيه، فكان الفاء مزية (١١) النقدية بمقابلة زيادة فائدة رأوها في المسلم فيه، مع كونه نسيئة، وإنما ذكر ربا المسلم فيه لإثبات المعادلة بينه وبين رأس المال؛ لأن المسلم فيه، وإن كان أكثر مالية عادة إلا أنه آجل، ورأس المال وإن كان أقل مالية إلا أنّه عاجل، والعاجل خير من الآجل فينجبر قصور كل واحد منهما لوفور كل واحد منهما فيتعادلان (١٢)، ثم رب السلم متعنت؛ لإنكاره الصحة، وقول المتعنت مردود، فكان القول قول المسلم إليه.

وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي (١٣): فالقول قول المسلم إليه؛ لأنه هو الذي يلتزم الطعام بعقد السلم.

فالقول قوله في بيان صفة ما التزمه ثم اتفاقهما على أصل العقد يكون اتفاقاً منهما على ما هو شرط جواز العقد، ومن شرط جوازه بيان صفة الطعام، فقول رب السلم لم يسم صفة الطعام يكون رجوعًا عما أقر به وسعيًا في نقض ما تم به.


(١) في (ت): والمتعنت.
(٢) [البقرة: ٢٢٠].
(٣) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٤) في (ت): يضره.
(٥) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٢٢).
(٦) العناية شرح الهداية (٧/ ١٠٨).
(٧) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٨) في (ت): خير.
(٩) في (ت): قلنا.
(١٠) في (ت): ذاك.
(١١) في (ت): زيادة.
(١٢) في (ت): فيتعادلا.
(١٣) المبسوط (١٢/ ٢١٧).